اعجاز القرآن

محمد بن طیب باقلانی

نسخه متنی -صفحه : 396/ 3
نمايش فراداده

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

جرت سنة الله في ابتعاث رسله إلى خلقه ، لتبصيرهم بعظمته وجمعهم على عبادته ، أن يؤيدهم بأمور حسية تخالف السنن الكونية ، وتشذ عن النواميس الطبيعية ، وتكون من قبيل ما استحكم في زمانهم ، وغلب على خاصتهم ، وعظم في نفوس عامتهم ، لتكون معجزة الرسول المرسل إليهم مفحمة لاعجب الامور في أنظارهم ، ومبطلة لاقوى الاشياء في حسبانهم ، ولئلا يجد المبطلون متعلقا يتشبثونبه ، ولا سبيلا يتخذونه إلى اختداع الضعفاء فقد أيد الله جل جلاله موسى عليه السلام - وكان عصره عصر سحر - بفلق البحر ، وانقلاب العصا حية تسعى ، وانبجاس الحجر الصلد بعيون الماء الرواء .

وأيد عيسى عليه السلام - وكان عهده عهد طب - بإبراء الاكمه والابرص وخلق الطير من الطين ، وإحياء الموتى بإذنه .

ولما أرسل رسوله محمدا ، صلى الله عليه وسلم ، إلى الناس أجمعين ، وجعله خاتم النبيين - أيده بمعجزات حسية كمعجزات من سبقه من المرسلين ، وخصه بمعجزة عقلية خالدة ، وهى إنزال القرآن الكريم ، الذى لو اجتمعت الانس والجن على أن يأتوا بمثله لم يستطيعوا ولم يقاربوا ، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .

وكان ذلك في زمان سما فيه شأن البيان ، وجلت مكانته في صدور أهله ، وعرفوا باللسن والفصاحة ، وقوة العارضة في الاعراب عن خوالج النفوس ، والابانة عن مشاعر القلوب .

وظل رسول الله صلوات الله عليه ، يتحداهم بما كانوا يعتقدون في أنفسهم القدرة عليه ، والتمكن منه ، ولم يزل يقرعهم ويعجزهم ، ويكشف عن نقصهم ، حتى استكانوا وذلوا ، وطبع عليهم الخزى بطابعه ، وصاروا حيال فصاحته في أمر مريج .