اعجاز القرآن

محمد بن طیب باقلانی

نسخه متنی -صفحه : 396/ 5
نمايش فراداده

وكان الناجمون الاولون منهم يخافتون بأقوالهم ، ويجمجمون بآرائهم ، ويستخفون بمذاهبهم ويصطنعون الحذر والدهاء في كل ما يأتون وما يذرون ، خوفا من بطش الخلفاء الراشدين ، ومن تلاهم من خلفاء الامويين .

وخلف من بعد هؤلاء خلف كانوا أكثر ثقافة ، وأعزر علما ، وأحسن بيانا فأصحروا بآرائهم ، وجاهروا بمعتقداتهم ، وبثوا شكوكهم في المجالس والاندية ، وسطروها في الكتب والرسائل التى أسرفوا في تحسينها ، وبالغوا في تزيينها ، وغالوا في انتقاء ورقها ومدادها واستجادة خطها ، ليحسن وقعها في الانظار ، وتصبو إليها أنفس القراء .

وقد ساعدهم على جهرهم هذا ومكن لهم منه ، تبدل الزمان وتغير الحال ، بتسامح الخلفاء في غير ما يمس سلطانهم ويعرض لدولتهم ، وامتلاك غير العرب لزمام الامور في الدولة ، وانتشار الكتب المترجمة ، وازدياد اتصال العرب بغيرهم من أهل المذاهب والنحل الاخرى ، وكثرة الجدال بين المذاهب الاسلامية ، واشتعال نار العداوة بين الفرق الكلامية ولما كثرت المطاعن في القرآن ، وأوشكت الشبهات أن تأخذ سبيلها إلى نفوس الاغرار والاحداث - : نهض فريق من العلماء يدرءون عنه ، وينافحون دونه ويرمون من ورائه بالحجج النيرة ، والادلة الواقعة ، فشرعوا أقلامهم لتأليف الكتب والرسائل في الرد عليهم ، وتبيين مفترياتهم .

وفى طليعة هؤلاء أبو محمد عبد الله ابن مسلم بن قتيبة الدينورى ، فقد عمد إلى مطاعنهم فيه فجمعها ، ثم كر عليها بالنقض في كتابه الجليل : " تأويل مشكل القرآن " وكانت مسألة الاعجاز من أبرز المسائل التى تعاورها العلماء بالبحث في أثناء تفسيرهم للقرآن ، وردهم على منكري النبوة ، وخوضهم في علم الكلام ، كعلى بن ربن كاتب المتوكل في كتاب : " الدين والدولة " وكأبي جعفر الطبري في تفسيره : " جامع البيان عن وجوه تأويل آى القرآن " وكأبي الحسن الاشعري في " مقالات الاسلاميين " وأبى عثمان الجاحظ في كتاب : " الحجة في تثبيت النبوة "وكان علماء الاعتزال أكثر المثيرين للكلام في إعجاز القرآن ، فقد ذهب النظام - من بينهم - إلى أن القرآن نفسه غير معجز ، وانما كان إعجازه بالصرفة وقال " ان الله ما أنزل القرآن ليكون حجة على النبوة ، بل هو كسائر الكتب المنزلة لبيان الاحكام من الحلال والحرام .