على أن كتابه قد استبد بهذا الفرع من التصنيف في الاعجاز ، واحتمل المؤنة فيه بجملتها من الكلام والعربية والبيان والنقد ، ووفى بكثير مما قصد إليه من أمهات المسائل والاصول التى أوقع الكلام عليها ، حتى عدوه الكتاب وحده ، لا يشرك العلماء معه كتابا آخر في خطره ومنزلنه ، وبعد غوره ، وإحكام ترتيبه ، وقوة حجته ، وبسط عبارته ، وتوثيق سرده ، فانظر ما عسى أن يكون غيره مما سبقه أو تلاه .
وما زاد الباقلانى ، رحمه الله ، على أن ضمن كتابه روح عصره ، وعلى أن جعله في هذا الباب كالمستحث للخواطر الوانية ، والهمم المتثاقلة في أهل التحصيل والاستيعاب الذين لم يذهبوا عن معرفة الادب ، ولم يغفلوا عن وجه اللسان ولم ينقطعوا دون محاسن الكلام وعيونه ، ولم يضلوا في مذاهبه وفنونه ، حتى قال : " إن الناقص في هذا الصنعة كالخارج عنها ، والشادى فيها كالبائن منها " وقد كانت علوم البلاغة لم تهذب لعهده ، ولم يبلغ منها الاستنباط العلمي ولم تجرد فيها الامهات والاصول ، ككتب عبد القاهر ومن جاء بعده ، فبسط الرجل من ذلك شيئا ، وأجمل شيئا ، وهذب شيئا ، ونحا في الانتقاد منحى الذين سبقوه من العلماء بالشعر وأهل الموازنة بين الشعراء ، وكانت تلك العصور بهم حفيلة .
وبالجملة فقد وضع ما لم يكن يمكن أن يوضع أوفى منه في عصره " وقد طبع كتاب " إعجاز القرآن " عدة طبعات :
الاولى بمطبعة الاسلام بمصرفي سنة 1315 .