تطور البنیة الفنیة فی القصة

شریبط أحمد شریبط

نسخه متنی -صفحه : 94/ 62
نمايش فراداده

والشرق المستعمر، ثم يعود القاص إلى سرد حياة (حميده) الماضية في فرنسا، وكيف تعرف على زوجته الفرنسية، واكتشف بعد عشرة بينهما أن عدة أمور تجمع بينهما، فاستغلا هذه النقاط المشتركة وتزوجا، ثم سافرا إلى تونس واستقرا في مدينة بنزرت الساحلية ليظلا دائماً يستمدان من زرقة البحر الأبيض المتوسط وسمائه قوة حبهما.

وبعد أن سرد بطل القصة حياته الطويلة في فرنسا أحسّ بالتعب من الوقوف على أنقاض بيته الذي لم يبق منه سوى بقايا بعض جدران واقفة وأخذ يجوب في خرائب بيته منطقة منطقة إلى أن وصل إلى الباب، وكانت الساعة آنذاك الثانية عشرة.

وهاله الأمر حين رأى معصم زوجته مخضباً بالدم تحت الردم.

وتوقف القاص هنا، يدل على بلوغ الحدث آخره وأنه أدى دوره وهو أن الاستعمار الفرنسي استعمار ضد الإنسانية البريئة، وأن من بين الفرنسيين من هم ضحايا مثل غيرهم من الشعوب الأخرى التي ذهب الكثير من مواطنيها ضحية جبروته ووحشيته.

وهذه النهاية التي تعبر عن موقف القاص، لم تنل رضى بعض النقاد العرب مع أنهم أبدوا إعجابهم بتماسك أجزاء القصة وقدرة ابن هدوقة على الغوص في نفسية شخصياته وتحليلها.

ولأبي العيد دودو كثير من القصص المبنية على الطريقة الحديثة، كقصة: "رسالة توصية" ، والتي عالجت مشكلة الوسطاء في الإدارات العمومية، وتبدأ بتصوير (بومرخوفة) حالما دخل إلى مكتبه بإحدى المؤسسات الوطنية الكبرى، وألقى بكل ثقله وسط الكرسي الفاخر، وقد ترك دودو بطل قصته يعاني من تصرفات كاتبته ومعاملتها القاسية له.

ثم انحدر الحدث نحو النهاية بعد أن شتمته وعيرته بأنه لا يصلح لأي شيء، فقرر بعد ذلك الاستقالة من منصبه.

كذلك في قصص الطاهر وطار، ففي "زنوبة" ، تصوير للبطل وهو يعاني من قلق شديد سببه انتظار مكالمة هاتفية مهمة، وهو في قلق ووحدة وانتظار.

وقد جعل القاص ساعة حائطية أمامه تقع عيناه على عقربيها كلما رفع رأسه نحو الحائط، وقد استخدم القاص أسلوب التداعي لإزالة قلق البطل، حيث شرد ذهن (لطفي) بمجرد أن استلقى على سريره، فامتد فكره بعيداً نحو المستقبل، إلى القرن الخامس والعشرين إذا كان هذا الأسلوب قد سهل مهمة التعبير عن أفكاره، وآرائه حول الفن والوضع البشري الذي قد يكون عليه في القرن الخامس والعشرين، فإنه لم يفد قصته خصوصاً من حيث التركيز والاهتمام برسم الحدث الرئيس.

إذ يبدو أن حلمه الطويل لا علاقة له بالحدث القصصي الذي عبّر عن مرحلة الشباب المضطربة، كذلك فإن ترديد الحوار الهاتفي الذي دار بين لطفي والمرأة المجهولة عدة مرات يبدو زائداً، لا وظيفة له في القصة كما أن القصة اعتمدت على الأحداث المفاجئة، من ذلك أن نهاية الحدث لا تبدو متطورة عن أحداث سببية، إذ ليس من المعقول أن يتم تصالح (زنوبة) ولطفي بالسرعة التي تم بها، وذلك بعد أن اختصما بشدة.

ومع هذا فقد نجح وطار في خلق عنصر التشويق في قصته بوساطة المرأة التي هتفت للطفي، ووعدته بأن تزوره في بيته، فهذا الموقف جعل شخصية القصة تنتظر موعد زيارتها بكل شوق ولهفة.

إن الطريقة الحديثة قد أدت دوراً مهماً في بناء أحداث القصة الجزائرية القصيرة، وأغنتها، وأتاحت للكتاب إمكانية التعبير عن الموضوعات الجديدة وتصوير الحرب التحريرية، والظواهر الاجتماعية.

3- الارتجاع الفني أو (الخطف خلفاً) استخدم القاصون الجزائريون طريقة الارتجاع الفني أو الخطف خلفاً في كثير من كتاباتهم، وهي تعد من التقنيات الفنية التي استحدثت في السينما حديثاً، خصوصاً في مجال الأفلام البوليسية، ويعد وجودها في النتاج القصصي الجزائري المعاصر سابقة فنية تدل على تفتح الأدباء واطلاعهم على التجارب الأدبية الأخرى سواء التجربة الأدبية العربية المعاصرة، أو التجارب الأدبية الأجنبية الجديدة، خصوصاً التي ظهرت منذ الحرب العالمية الأولى.

وسنحلل فيما يلي بعض النماذج القصصية لبيان مدى افادتهم من هذه الطريقة في رسم أحداث قصصهم والتعبير عن أفكارهم ومواقفهم.

فعبد الحميد بن هدوقة يبدأ قصته "ظلال" ، من آخرها، وهو تصوير وفاة الشخصية الرئيسة أسفاً وحزناً على موت جروتها الصغيرة التي كانت تحبها وترعى شؤونها.

وإذا كان قد استطاع أن يثير بهذه النهاية تساؤلات كثيرة حول ماهية هذه الجروة وقيمتها فإن (الزوجة) قد توفيت بسبب شدة حزنها على موت الجروة.

وإذا كان ابن هدوقة قد قصد إلى تصوير إنسانية الزوجة ورقة مشاعرها فقد أخفق اخفاقاً شديداً، فلا أحد يصدق أن إنساناً يموت حسرة على موت جروة مهما كانت