فإن كان يريد بالتوكل التحرز من الآفات والبلاء ، لا السكون إلى ما سبق من القضاء ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالنوع الذي وقع فيه المشورة إذ المستشار مؤتمن ، ومثله ما قال عليه السلام لكعب بن مالك المتخلف عن غزوة تبوك أحد الثلاثة : " أنفق عليك مالك " حين قال : نيتي أن أتخلع من مالي ، وقال لبلال : " أنفق مالا ولا تخش من ذي العرش إقلالا " لأنه صلى الله عليه وسلم كان مستكمل التوكل على الله .
ساكنا إلى ماله عند مولاه ، غير ملتفت إلى حظه وهواه .
وأما غيره ، فكان مراده الاحتراز عن المكاره ، والاحتمال لدفع المضار ، وكذا قيل لأبي بكر الصديق : أن يدعى لك الطبيب .
قال : الطبيب أمرضني .
وإليه أشار الجليل بقوله : ( وإذا مرضت فهو يشفين ) والقيل إلى النوع الثاني عن سعد بن الربيع ، كواه النبي صلى الله عليه وسلم ، وأتى رحبه الدهني هناك ، من هنا ، فخرجها بمشقص .
ثم اعلم أن الحسن بن زياد ذهب إلى أن التداوي لا يجوز ، لأنه يمنع التوكل على الله تعالى ( فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) تحقيق التوكل والتداوي ويؤيده ما ذكر عن الصديق ، ويقويه ما روي عن أبي الدرداء أنه قيل له في مرضه : ما تشتكي ؟ فقال : ذنوبي ، قيل له : ما تشتهي ؟ قال : مغفرة ربي ، قيل : ألا ندعوا لك طبيبا ؟ قال : الطبيب أمرضني .
وقيل لأبي ذر حين رمدت عيناه ، لو تداويت ؟
قال : إني عنهما لمشغول ، قيل : لو دعوت الله حتى يعافيهما ؟
قال : أسألته فيهما هو على أنهم أهني .
وكان الربيع بن خشعم أصابه فالج ، فقيل له : لو تداويت ؟
قال أردت ذلك ، ثم ذكرت عادا وثمودا وقرونا بين ذلك كثيرا ، إنهم أطباء وملوك وأمراء هلكوا ، ونعم ما قيل إن الطبيب يطبه .