الإمام مالك بتركه خشية التهافت فتركه ويقال إن المنبر الذي صنعه معاوية ورفع منبر النبي عليه
تهافت على طول الزمان وجدده بعض خلفاء بني العباس واتخذ من بقايا أعواد منبر النبي أمشاطاً للتبرك
ثم احترق هذا المنبر لما احترق المسجد في مستهل رمضان سنة أربع وخمسين وستمائة أيام المستعصم بالله
وشغل المستعصم عن عمارته بقتال التتار فعمل المظفر صاحب اليمن المنبر وبعث به إلى المدينة سنة ست
وخمسين وستمائة فنصب في موضع منبر النبي فبقي إلى سنة ست وستين وستمائة فأرسل الملك الظاهر بيبرس
صاحب مصر المنبر الموجود الآن فأزيل ذاك ووضع هذا وطوله أربعة أذرع ومن رأسه إلى عتبته سبعة أذرع
تزيد قليلاً ودرجاته سبع بالمقعد والأمر على ذلك إلى الآن .
--------------------
294
الجملة الثانية في نواحيها وأعمالها وهي على ضربين الضرب الأول حماها ومرافقها
واعلم أن للمدينة الشريفة حمى حماه النبي وحرمه كما حرم إبراهيم عليه السلام مكة قال في الروض
المعطار حماها اثنا عشر ميلاً وخارج بابها الشرقي البقيع المتقدم ذكره وهو مدفن أكثر أمواتها وهو
بالباء الموحدة في أوله ويسمى بقيع الغرقد بفتح الغين المعجمة وسكون الراء المهملة وفتح القاف ودال
مهملة في الآخر قال الأصمعي سمي بذلك لأنه قطع ما به من شجر الغرقد يوم مات عثمان رضي الله عنه وبه
قبر إبراهيم بن النبي من مارية القبطية وقبر الحسن بن علي بن أبي طالب وإلى جانبه قبر العباس عم رسول
الله وقبر عثمان بن عفان رضي الله عنه في قبة دونهما وقبر مالك بن أنس إمام المذهب المعروف وحول
المدينة حدائق النخل الأنيقة وثمرها من أطيب الثمر وأحسنه وغالب قوت أهلها منه . الضرب الثاني في
مخاليفها وقراها والمشهور منها ثمانية أماكن
الأول قباء بضم القاف وفتح الباء الموحدة وألف في الآخر ويروى بالمد والقصر والمد أشهر قال في الروض
المعطار ومن العرب من يذكره فيصرفه ومنهم من يؤنثه فلا يصرفه قال وسميت قباء ببئر كانت بدار توبة
ابن الحسن بن السائب بن أبي لبابة يقال لها قباء وهي قرية غربي المدينة على ميلين منها وبها مسجد
التقوى الذي أخبر الله تعالى عنه بقوله ( لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه ) وقد روي
أن رسول الله كان
--------------------
295
يأتي قباء كل يوم سبت راكباً وماشياً ومصلاه بها مشهور .
الثاني خيبر بفتح الخاء المعجمة وسكون الياء المثناة تحت وفتح الباء الموحدة وراء مهملة في الآخر
قال الزجاجي سميت بخيبر بن قانية وهو أول من نزلها وهي بلدة بالقرب من المدينة الشريفة قال ابن سعيد
طولها أربع وستون درجة وست وخمسون دقيقة وعرضها سبع وعشرون درجة وعشرون دقيقة وهي بلدة عامرة آهلة
ذات نخيل وحدائق ومياه تجري قال في تقويم البلدان وهي بلدة بني عنزة من اليهود والخيبر في لغة
اليهود الحصن وهي في جهة الشمال والشرق عن المدينة على نحو ست مراحل وقيل أربع مراحل قال الإدريسي
وهي ذات نخيل وزرع وكانت في صدر الإسلام داراً لبني قريظة والنضير وبها كان السموءل بن عاديا الشاعر
المشهور .
الثالث فدك بفتح الفاء والدال المهملة وكاف في الآخر قال الزجاجي سميت بفدك بن حام وقيل سميت بفيد
بن حام وهو أول من نزلها قال في الروض المعطار وبينها وبين المدينة يومان وحصنها يقال له الشمروخ
على القرب من خيبر وكان أهلها قد صالحوا النبي على النصف من ثمارها في سنة أربع من الهجرة ولم يوجف
عليها المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت له خالصة وكان معاوية بن أبي سفيان قد وهبها لمروان بن الحكم ثم
ارتجعها منه لموجدة وجدها عليه فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة ردها إلى ما كانت عليه في زمن
رسول الله وكانت تغل في أيام إمرته عشرة آلاف دينار يتجافى عنها .
الرابع الصفراء مؤنث أصفر وهو واد على ست مراحل من المدينة كثير المزارع والمياه والحدائق أخبرني
بعض أهل الحجاز أن به أربعة وعشرين نهراً على كل نهر قرية وعيونه تصب فضلها إلى ينبع وهو بيد بني حسن
الشرفاء .