و فيه مسائل:
لا يصح التيمم للصلاة قبل دخول الوقت و ان علم استمرار العذر، بالاجماع المحقق و المصرح به في المعتبر و المنتهى و القواعد (و التذكرة) (1) و الدروس (2) ، و غيرها (3) .و يصح مع تضيقه كذلك.
و في صحته بعد دخوله و عند السعة اقوال:
الاول: المنع مطلقا، و هو مختار الشيخين و السيد و القاضي و الحلبي و الحلي و الديلمي و الشهيد الثاني في الروض (4) ، بل اكثر علمائنا كما في التذكرة و المنتهى و الدروس و شرح القواعد و الحبل المتين (5) ، و غيرها (6) ، بل بالاجماع كما في الناصريات و الانتصار و السرائر (7) ، و عن الشيخ (8) ، و الغنية و احكام الراوندي (9) ، و الطبرسي (10) ، و شرح جمل السيد للقاضي (11) ، و اختاره بعض مشايخنا المحققين (12) .
و هو الاقوى، للاصل، و المستفيضة كصحيحة محمد: «اذا لم تجد الماء و اردت التيمم فاخر التيمم الى آخر الوقت، فان فاتك الماء لم تفتك الارض » (13) .
و حسنة زرارة: «اذا لم يجد المسافر الماء فليطلب مادام في الوقت، فان خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في آخر الوقت » (14) .
و نحوها روايته المروية في التهذيب، الا ان مقام قوله: «فليطلب » : «فليمسك » (15) .
و موثقة ابن بكير: «فاذا تيمم الرجل فليكن ذلك في آخر الوقت، فان فاته الماء فلن تفوته الارض » (16) .
و الاخرى المروية في قرب الاسناد: عن رجل اجنب فلم يصب الماء، ايتيمم و يصلي؟ قال: «لا حتى آخر الوقت، فان فاته الماء لم تفته الارض » (17) .
و الرضوي: «و ليس للمتيمم ان يتيمم الا في آخر الوقت او الى ان يتخوف خروج وقت الصلاة » (18) .
و صحيحة ابن حمران، و فيها: «ليس ينبغي لاحد ان يتيمم الا في آخر الوقت » (19) .
و المروي في الدعائم: «لا ينبغي ان يتيمم من لم يجد الماء الا في آخر الوقت » (20) .
و في المعتبر و غيره، عن علي عليه السلام في الجنب: «يتلوم-اي ينتظر و يمكث-ما بينه و بين آخر الوقت، فان وجد الماء و الا يتيمم » (21) .
و في دلالة بعضها على الوجوب و ان كان كلام، الا ان دلالة اكثرها واضحة صريحة، كما ان في سند بعضها و ان كان ضعف، الا ان اكثرها في غاية الاعتبار و القوة، مع ان جميعها بما مر-من الاجماعات، و الشهرة العظيمة القديمة المحققة و المحكية-منجبرة، و باصالة عدم مشروعية التيمم و بقاء الاشتغال و استصحاب عدم جواز الدخول في الصلاة معتضدة.
و الثاني: الجواز كذلك، و هو مختار المنتهى و التحرير و الارشاد و البيان (22) ، و المحكي عن الصدوقين (23) ، و ظاهري الجعفي و جامع البزنطي (24) و ان كان في ظهوره عن كلام الاخير نظر، و اليه ذهب جمع من المتاخرين كما قيل (25) ، و عليه اطباق العامة كما في الناصريات و الانتصار و المعتبر و التذكرة (26) ، للاصل، و العامي المروي في المعتبر و غيره: «اينما ادركتني الصلاة تيممت و صليت » (27) .
و اطلاق الآيتين، و عمومات توسيع الوقت و افضلية اوله، و اطلاق ما دل على ان الصعيد كالماء و بمنزلته، و انه احد الطهورين (28) .
و الاخبار الكثيرة-بل القريبة من التواتر-الظاهرة في الجواز المطلق من حيث الدلالة على ان من تيمم و صلى ثم وجد الماء لا اعادة عليه، و هي بين مطلقة بل عامة بترك الاستفصال لمن وجده في الوقت، كالصحاح الاربعة للعيص و عبيد الله بن علي الحلبي و ابني مسلم و سنان (29) ، و حسنة الحلبي (30) ، و خاصة مصرحة بعدم الاعادة مع الوجدان في الوقت، كصحيحة زرارة (31) ، و موثقتي ابي بصير و يعقوب (32) ، و روايتي معاوية بن ميسرة و علي بن سالم (33) .
و حملها على كون الصلاة في الوقت دون اصابة الماء-مع بعده-غير جار في الجميع، كالحمل على الجاهل باعتبار الضيق مع معذورية الجاهل في ذلك الحكم، او على من شرع في الصلاة و قد وجد الماء في اثنائها بحيث ينقضي الوقت باتمامها.
و تضعيفها بالمعارضة مع ما دل على الاعادة لو وجد الماء قبل خروج الوقت (34) ضعيف، لخلوه عن الدال على الوجوب، و ظهوره في كون علة الاعادة وجدان الماء، و لو وجب التاخير، لكانت العلة عامة، و دلالته على خلاف المطلوب باعتبار اطلاق نفيه الاعادة مع الوجدان خارج الوقت.
و للمستفيضة الواردة في ان المتيمم اذا وجد الماء في اثناء الصلاة ينصرف، كصحيحة زرارة (35) ، و حسنة ابن عاصم (36) ، و غيرهما، فانه مع وجوب التضيق لا معنى لذلك التفصيل، كيف و يقولون بالتيمم لضيق الوقت مع وجود الماء؟! و لتعليق التيمم بالجنابة، او بها مع فقد الماء في المستفيضة (37) ، فلا يتقيد بغير الامرين.
و لما دل على شرعية التيمم بمجرد حضور الصلاة (38) ، و على ان من تيمم يجزيه ذلك الى ان يجد الماء (39) .
و لاستلزام التاخير المطلق للعسر، سيما في الاوقات التي لا يعلم اواخرها الا بالترصد، و خصوصا في العشاء، و سيما لذوي الامراض، و ايجابه لتفويت كثير من المستحبات، بل تضييع خصوص العبادة.
و للمستفيضة المجوزة لصلاة الليل و النهار بتيمم واحد (40) .
و للصحيح: في امام قوم اصابته جنابة و ليس معه ماء يكفيه للغسل، ايتوضا بعضهم و يصلي بهم؟ قال: «لا، و لكن يتيمم الجنب-الامام-و يصلي بهم » (41) فانه يبعد الامر بتاخير المامومين الى آخر الوقت لدرك فضيلة الجماعة مع خصوص هذا الامام المتيمم مع وجود امام متوضى ء.
و حملها على وقوع الامام و المامومين في الضيق اتفاقا بعيد جدا، مع غلبة وقوع الجماعة في اول الوقت.
و الكل ضعيف، بل لا دلالة لغير اخبار عدم الاعادة اصلا.
اما الاصل: فلانه مع الخلاف كما مر (42) ، و اصالة عدم وجوب التاخير فرع ثبوت جواز التقديم.
و اما العامي: فلعدم حجيته، مع ما فيه من ضعف الدلالة كما يظهر.
و اما اطلاق الآيتين: فلانهما لا تدلان الا على مشروعية التيمم، لا على مشروعيته في كل وقت، الا ان تضم اصالة عدم التوقيت بوقت خاص، و لكن اين الاصل[السالم]من معارضة الاخبار.
نعم، في قوله تعالى: «اذا قمتم » في احداهما (43) دلالة على جوازه حين القيام اليها مطلقا.
و لكن فيه: ان المستفاد منه مشروعيته حين القيام الى الصلاة المشروعة، اما على كون الالفاظ اسماء للصحيحة فظاهر، و اما على الاعم: فللاتفاق على عدم وجوب التطهر الا للصلاة المشروعة، و الكلام بعد في مشروعيتها في اول الوقت للمتيمم.
فان قيل: تثبت المشروعية بقوله سبحانه: «لدلوك الشمس » (44) .
قلنا: هو مخصص بآيتي التطهير قطعا، فالمعنى: اقم الصلاة لدلوك الشمس بعد التطهر، فقدر زمان التطهر خارج بالقطع، و لا يعلم قدره في المورد، فاثبات مشروعية الصلاة يتوقف على مشروعية التطهر و بالعكس.
و منه يظهر وجه ضعف عمومات التوسيع و افضلية اول الوقت، لاختصاصها بغير زمان التطهر قطعا، مع ان اكثر اهل المواسعة حملوا اخبار المضايقة على الاستحباب، و هو مناف لافضلية اول الوقت.
و اما عموم المثلية و المنزلة: فلما مر مرارا.
و اما اخبار التيمم اذا وجد الماء في الاثناء: فلمعارضتها مع ما دل على عدم الانصراف بمجرد الدخول في الصلاة (45) .
مع انه غير مناف للمضايقة اصلا، لان المراد منها ليس الا آخر الوقت عرفا، و هو لا ينافي توسعته لمقدار الطهارة، و لذا لا مضايقة في الانصراف لكثير من اهل المضايقة، سيما مع ما في بعض الاخبار من انه يتوضا و يبني (46) ، و سيما مع ان من ادرك ركعة من الوقت فقد ادركه.
و اما تعليق التيمم بما ذكر: فلا شك في انه مقيد بوجوب الصلاة ايضا، و هو عين النزاع، فان اثبته بعمومات التوسيع، رجع اليها، و قد مرت.
و منه يظهر ما في اطلاق تشريع التيمم بمجرد حضور الصلاة، مع ان في صدق الحضور و الدرك بمجرد دخول الوقت كلاما ياتي في بحث اوقات الصلوات.
و اما اجزاء التيمم لمن يتيمم الى ان يجد الماء و لو في اول الوقت: فهو لا ينافي وجوب تاخيره لغير المتيمم، بل هو مسالة اخرى تاتي (47) .
و منه يظهر ما في الاستدلال بمجوزات صلاة الليل و النهار بتيمم واحد.
و اما لزوم العسر: فممنوع جدا، سيما على القول بجواز الصلاة اول الوقت لمن دخله متيمما لصلاة اخرى، او بجواز التيمم مع نذر ركعتين في وقت معين و غير ذلك مما ياتي.
و القول بانه على ذلك تسقط فائدة الامر بالتاخير، يشبه القول بانه مع سهولة ارتكاب حيل تسقط شفعة الشفيع و الربا تسقط فائدة تشريع الاول و تحريم الثاني.
و اما حديث تفويت المستحبات فهو خطابي شعري لا التفات اليه.
و اما الصحيحية الاخيرة ففيها: انه لا بعد في استحباب تاخير المامومين لادراك الجماعة، مع انه يمكن ان يكونوا ايضا متيممين، و يشعر به قوله: «ايتوضا بعضهم » سيما مع نفيه امامة المتوضى ء و امره امامة المتيمم الذي لا اقل من الرجحان مع كراهية امامة المتيمم للمتطهر.
فلم يبق الا اخبار الاعادة، و جوابها: انها اعم مطلقا من اخبار المضايقة، اذ ليس المراد بآخر الوقت فيها وقت منطبق آخره بآخر الفريضة، لانه تكليف بالمحال، و لا يقول به اهل المضايقة و لا بوجوب الاقتصار على اقل الواجب.
بل المراد: الآخر العرفي، كما عليه يحمل سائر الالفاظ، و هو لا ينافي زيادة شي ء من الوقت، مع ان المعول ظن المكلف و تخمينه، كما هو مقتضى قوله في بعض اخبار المضايقة «فان خاف ان يفوته الوقت » و هو لا ينافي التخلف سيما في حق العوام.
هذا، مع ان المذكور في بعض اخبار المواسعة: بقي شي ء من الوقت، او وقت، و هو دال على القلة، فلا ينافي التخمين او الآخر العرفي، سيما مع ان بقاء وقت يكفي فيه مقدار ركعة.
هذا، مع ان لها عموما آخر، و هو شمولها لمن صلى في السعة بالتيمم الواقع قبل وقتها لصلاة اخرى في آخر وقتها، و القول بالجواز فيه معروف كما ياتي.
و على هذا فتخصص تلك الاخبار باخبار المضايقة قطعا.
و توهم عمومها ايضا باعتبار شمولها لمن قطع بوجدان الماء الى آخر الوقت فاسد، لظهور الجميع او الاكثر في عدم القطع بذلك، كما هو مقتضى قوله: «لم يجد الماء» و «لم يصبه » و «ان فاتك » .
ثم لو سلم ذلك حتى يكون بينهما عموم من وجه، او عدم عموم اخبار المواسعة حتى يكون بينهما التساوي، فالترجيح ايضا للمضايقة، لمخالفة جميع العامة، كما ذكره جمع من الخاصة (48) .
و منه يظهر ترجيحها ايضا لو توهم موافقة المواسعة لاطلاق الآيتين، لتكافؤ الترجيحين و بقاء الاصل مع المضايقة.
و من جميع ما ذكر يظهر المناص لو سلمت دلالة بعض العمومات المتقدمة على المواسعة ايضا.
الثالث: التفصيل بالاول مع رجاء زوال العذر، و الثاني مع عدمه.و هو عن الاسكافي و ظاهر العماني (49) ، و التذكرة و القواعد و شرح القواعد و فخر المحققين و اللمعة (50) ، و والدي العلامة، بل اكثر المتاخرين كما في شرح القواعد، و استجوده في المعتبر (51) .
للجمع بين اخبار الطرفين، مع ظهور الرجاء من التعليل في اكثر اخبار التضيق بقوله: «فان فاتك الماء لم تفتك الارض » فان مقتضاه الشك في الفوات، مع انه مع العلم بعدم زوال العذر يكون الامر بالتاخير لغوا عبثا.
و يرد: بان الجمع كما يمكن بما ذكر يمكن بغيره ايضا مما ذكره ارباب القولين.
و اما حديث ظهور التعليل في الرجاء فانما هو اذا جعل جملة «ان فاتك » من باب الشرط و الجزاء، و يمكن ان يكون من قبيل: ان فاتك اللحم لم يفتك المرق، لمن حصل له المرق دون اللحم، و ان ذهب مالك لم يذهب اجرك، لمن غصب ماله، بل هو الظاهر و الملائم للفظة لم و لن في الجواب، مع انه لو سلم ظهور ما تضمن للتعليل فيه لا يقدح في عموم ما لا يتضمنه.
و اما حديث لزوم لغوية التاخير فمما لا يصلح للاصغاء اليه، فانه لم يعلم ان علة التاخير زوال العذر، فلعلها امر آخر لا نعلمه.
ا: الظاهر عموم وجوب التاخير لجميع الاعذار، و عدم اختصاصه بعدم الماء و ان اختص اكثر اخبار المضايقة به، لاطلاق موثقة ابن بكير بل عمومها (52) .
و فوات الماء فيها لا ينحصر في عدمه، بل يعم عدم امكان استعماله، و كذا الرضوي (53) ، المنجبر ضعفه بعدم القول بالفصل المحقق و المحكي في الروض (54) ، و اللوامع.
و ظاهر المعتبر التردد (55) ، كظاهر الحدائق (56) ، بل مال في الاخير الى المواسعة اذا كان العذر غير فقد الماء، لاختصاص اكثر اخبار الباب و وجوب حمل البواقي عليه.و لا وجه له.
ب: لو ظن الضيق و تيمم و صلى، ثم بان خطؤه زائدا على ما يتسامح لم يعد، وفاقا للمعتبر و الدروس (57) ، لانه تطهر طهارة شرعية و صلى صلاة مامورا بها، و للاخبار المتقدمة الدالة على عدم الاعادة بالاطلاق.
خلافا للمحكي عن الشيخ في كتبه الاخبارية (58) ، لان شرط التيمم التضيق، و لانها صلاة واقعة قبل الوقت فتجب اعادتها.
و يجاب عن الاول: بان الشرط التضيق بحسب علمه، لانه المكلف به و قد حصل، بل ظاهر قوله: «فان خاف فوت الوقت » ان الشرط ظن الضيق.
و عن الثاني: ان الثابت هو اعادة ما وقع قبل الوقت المحدود المعهود، دون مثل ذلك.
ج: الظاهر من آخر الوقت آخره عرفا، اي ما يسمى في العرف آخرا، لانه مقتضى حمل الالفاظ على المعنى، و هو و ان صدق على زمان اكثر مما يخاف معه الفوت الا انه-لتصريح حسنة زرارة و روايته بخوف الفوات (59) -تجب مراعاته، و يكفي فيه ظنه بل احتماله ايضا.
د: لو دخل وقت صلاة و هو متيمم، جاز ايقاعها في اول وقتها و لو على المضايقة، وفاقا للمعتبر-و ان تردد اخيرا-و المدارك و الذخيرة و اللوامع و عن المبسوط و المختلف (60) ، لان المانع من تقديمها اوامر تاخير التيمم، و هي مختصة صريحة بالمحدث، فتبقى عمومات الجواز في السعة في حق غيره سالمة عن المخصص.و لا يفيد قوله في الحسنة: «فليصل في آخر الوقت » لان المستتر فيه راجع الى المسافر المحدث بقرينة قوله «فليتيمم » .
و قد يستشهد ايضا: بما دل على صحة الصلوات المتعددة بتيمم واحد (61) .
و فيه: انه لا يدل على ايقاعها في اول اوقاتها، بل فيه رد على بعض العامة حيث قال: ان لكل صلاة تيمما على حدة (62) ، و هو خلاف اجماع الشيعة.
خلافا لصريح البيان و ظاهر الدروس (63) ، فاوجب تاخيرها على القول بالمضايقة و التفصيل مع الرجاء، و اختاره بعض مشايخنا المحققين (64) ، لان علة التاخير امكان زوال العذر، و هو متحقق في المقام، و لانه كان تاخير التيمم و الصلاة واجبا، و لا يلزم من انتفاء التاخير بالنسبة الى التيمم لسبق فعله انتفاؤه بالنسبة الى الصلاة، فيستصحب الحكم بالنسبة اليها.
و في الاول: ما مر من منع التعليل، مع انه لو سلم فهو علة لتاخير التيمم و الصلاة دون الصلاة فقط.
و القول بان التيمم ليس مقصودا بالذات، و الغرض حقيقة مراعاة حال الصلاة و ايقاعها على اتم ما يمكن، يشبه القياسات و الاستنباطات العامية.
و في الثاني: ان المسلم وجوب تاخير الصلاة على غير من دخل الوقت متيمما، و اما بالنسبة اليه فلا.
و مما ذكر يعلم جواز ايقاع الصلاة في اول الوقت مع ظن زوال العذر في آخره، بل و مع القطع ايضا، و امر الاحتياط واضح.
ه: يتيمم للفائتة-فريضة كانت او نافلة-في كل وقت تذكر و اراد فعلها، اما على القول بالمضايقة في القضاء فظاهر، و اما على التوسعة: فلعمومات جواز فعلها متى ذكرها، و اطلاق الآيتين، و اخبار التيمم مع اصالة عدم التوقيت لها بوقت.
خلافا للبيان، فقال: لا يتيمم للفائتة، لان وقتها العمر، فتشملها اخبار التاخير الى آخر الوقت (65) .
و فيه: ان هذا التحديد غير مستفاد من التوقيت، بل هو من مقتضيات عدم الفورية، و مثل ذلك ليس وقتا بل يجوز التيمم في كل وقت لمن عليه فائتة و لو لم يرد فعلها، لان وجوبها عليه مستلزم لوجوب مقدمتها التي هي التيمم مع العذر، فلا مناص من القول اما بعدم وجوب الفائتة حين العذر، او بوجوب مقدمتها ايضا، و الاول ظاهر الفساد بالاجماع و العمومات، فتعين الثاني.
و مثلها ما لا وقت لها محدود شرعا من الصلوات الواجبة كالنذر المطلق، او النافلة كذات الاسباب الغير الموقتة او المبتداة، لما ذكر مع اطلاق ما دل على وجوبها او استحبابها.
خلافا في الاخيرة للمعتبر و المنتهى و التذكرة (66) ، فلم يجوزوا التيمم لها في الاوقات المكروهة لها، بل الثاني لم يجوزه فيها لقضاء الرواتب ايضا، لانها ليست بوقت لها.
و ضعفها في غاية الوضوح، فانها لو لم يكن وقت لها لكانت باطلة لو وقعت فيها و لو بالوضوء، و هو خلاف الاجماع بل هي اوقات لها مرجوحة بالنسبة الى سائر الاوقات.
و اما ما له وقت كالنذر الموقت و النوافل اليومية و الآيات و العيدين: فمقتضى اطلاق اخبار المضايقة في التيمم عدم صحتها الا في آخر اوقاتها، و دعوى ظهورها في الفرائض اليومية غير مسموعة.
و لكن قيل: الظاهر عدم الخلاف في جواز التيمم لكل منها في حال ايقاعها (67) .فان ثبت الاجماع فهو، و الا فالوقوف على الاخبار.
و كما لا يجوز التيمم في شي ء مما ذكر مما له وقت قبل آخر وقتها، لا يجوز قبل الوقت ايضا، لوجوب[التاخير] (68) فلا يتيمم للعيدين قبل الطلوع، و لا للخسوف قبل الشروع، و هكذا.
متى تيمم لواحد مما يجوز التيمم له جاز له اداء كل صلاة دخل وقتها، بالاجماع، و المستفيضة كصحيحة حماد: عن الرجل لا يجد الماء، ا يتيمم لكل صلاة؟ قال: «لا، هو بمنزلة الماء» (69) .
و صحيحة زرارة: في رجل تيمم، قال: «يجزيه ذلك الى ان يجد الماء» (70) .
و رواية السكوني: «لا باس بان يصلي صلاة الليل و النهار بتيمم واحد ما لم يحدث او يصب الماء» (71) .
و لا فرق بين ما اذا اتى بما يتيمم، او لم يات اذا تيمم له.و لا يجب في الصلاة اللاحقة حينئذ تاخيرها الى آخر وقتها اذا كانت موقتة كما مر (72) ، و بذلك ينتفي العسر الذي ادعي على القول بالمضايقة.
من يجب عليه الوضوء و الغسل معا-على القول بعدم كفاية الغسل وحده-فان وجد الماء لاحدهما فقط، اتى به و تيمم للآخر، و لا يسقط ما يتمكن منه بسقوط ما لا يتمكن، للاستصحاب، و اصالة عدم المرابطة بينهما.
و لو وجد بقدر ما يغتسل، فهل يجب الغسل او يجوز له الوضوء ايضا؟
الظاهر الثاني، لعدم دليل على التعيين.
و ان لم يجد لشي ء منهما فظاهر الاكثر-كما قيل (73) -كفاية تيمم واحد لهما، و جعله في المدارك الاظهر (74) ، و هو كذلك.
و في الذكرى عن بعض الاصحاب: وجوب تيممين، و نفى هو الباس عنه (75) ، و اختاره طائفة من مشايخنا مستدلين باصالة عدم تداخل الاسباب (76) .
و هي ممنوعة مع ان بعض الاطلاقات يدفعها.
من صلى بالتيمم الصحيح لا يعيد مطلقا، وفاقا للمعظم، بل عليه استفاضة نقل الاجماع في بعض صوره.
لاتيانه بالمامور به على وجهه فيجزي عنه، و هو بدل عن المامور به مع المائية قطعا فيكفي عنه، لكفاية البدل عن المبدل منه، مع ان قضاءه بعد الوقت يتوقف على امر جديد و لا امر.
و للنصوص المستفيضة المتقدمة اكثرها في الامر الاول من الفصل الاول، الدالة اما على اجزاء الصلاة و عدم استئنافها مطلقا، كصحيحة ابن سنان (77) ، و حسنة الحلبي (78) ، و رواية الصيقل (79) ، و الصحاح الثلاث لمحمد و عبيد الله الحلبي و العيص (80) ، المصرحة بقوله: «لا يعيد» الذي هو اعم من القضاء لغة، او على عدم وجوب الاعادة في الوقت، كصحيحة زرارة (81) و موثقة ابن اسباط عن عمه (82) ، و روايات ابي بصير و ابن سالم و ابن ميسرة (83) ، او على عدم وجوب القضاء كحسنة زرارة (84) .
خلافا للمحكي عن القديمين، فاوجبا الاعادة اذا بلغ الماء في الوقت (85) ، لصحيحة يعقوب (86) ، و موثقة ابن حازم (87) ، المتقدمتين في البحث المذكور.
و يضعفان: بالخلو عن الدال على الوجوب سيما الاخيرة، مضافا الى اطلاقها الخالي عن القائل، و المرجوحية عما تقدم من المعارضات باشهريتها فتوى و رواية لو سلمت الدلالة، و الرجوع الى الاصل لو لم تسلم المرجوحية.
و للمحكي عن السيد في شرح في الرسالة، فاوجبها اذا تيمم الحاضر لفقد الماء (88) .
و يمكن ان يكون مستنده معارضة ما دل على عدم الاعادة مع بعض ما يظن دلالته على الاعادة مطلقا، كموثقة منصور، و ترجيح الاول في المريض و المسافر بموافقة الكتاب، و الثاني في غيرهما بالاحتياط و الاشتغال.
او رفع اليد عن الاخبار مطلقا بناء على اصله، و العمل في المريض و المسافر بالكتاب، و في غيرهما بما ذكر.
و الجواب على التقديرين ظاهر.
و عن النهاية و المبسوط و الاستبصار و التهذيب و المهذب و الاصباح و روض الجنان (89) ، فاوجبوا الاعادة على المتيمم للخوف على النفس اذا تعمد الجنابة، و استقربه في المدارك (90) ، لصحيحة ابن سنان و مرسلة جعفر، المتقدمتين في الامر السادس من الفصل الاول (91) .
و هما غير ناهضتين لاثبات الوجوب، و لو سلم فتخصيصهما بالمتعمد ليس اولى من حملهما على الاستحباب.
و عن الاسكافي (92) و الشيخ (93) و جملة ممن تبعهما (94) ، فاوجبوها على من تيمم في الجامع لمنع الزحام اياه عن المائية.
لرواية السكوني: عن الرجل يكون في وسط الزحام يوم الجمعة و يوم عرفة لا يستطيع الخروج من المسجد من كثرة الناس قال: «يتيمم و يصلي معهم و يعيد اذا انصرف » (95) و قريبة منها موثقة سماعة (96) .
و يرد-مع ما مر من عدم الدلالة على وجوب الاعادة و لا على وجوب التيمم و الصلاة-انه لا يتعين ان يكون التيمم و الصلاة هو الفريضة، فيمكن ان يكون هذا امرا مستحبا غيرها ندب اليه حفظا لسنة التقية، حيث ان محل الزحام في ذلك العصر لم يكن الا للمخالفين.
و عن المبسوط و النهاية، فيمن لم يكن له ماء و كان عليه نجاسة فتيمم و صلى (97) .
لموثقة الساباطي: في رجل ليس عليه الا ثوب و لا تحل الصلاة فيه و ليس يجد ماء يغسله، كيف يصنع؟ قال: «يتيمم و يصلي، فاذا اصاب ماء، غسله و اعاد الصلاة » (98) .
و هي عن افادة الزائد عن الاستحباب قاصرة، و هو مسلم.
و هل استحباب الاعادة من جهة نجاسة الثوب او التيمم او هما معا؟ قضية الاصل تقتضي الاخير، فلا تستحب الا باجتماعهما معا.
و لا ينافيه قوله: «غسله و اعاد» حيث ان الظاهر منه ان الاعادة عند غسل النجاسة و ان لم يوجد الماء بقدر يكفي الطهارة، فيستفاد منه ان السبب هو النجاسة، لمنع الاستفادة، لجواز ان يكونا معا سببين، و استحب الاعادة برفعهما معا او رفع هذا الجزء بخصوصه.
من تعذر له استعمال الماء مطلقا-اي و لو للوضوء خاصة-و لم يكن متطهرا، جاز له تعمد الجنابة اجماعا، لعدم وجوب المائية عليه، و عدم التفرقة بين التيممين.
و كذا لو كان متطهرا، او لم يتمكن من الغسل و تمكن من الوضوء، على الحق المشهور، و في المعتبر: الاجماع عليه (99) ، للاصل.
و ما تقدم سابقا من وجوب ابقاء مقدمة الواجب المطلق لا يفيد هنا، لان الوضوء ليس واجبا مطلقا، لانه مشروط بعدم الجنابة، و الغسل و ان كان واجبا مطلقا للجنب، و لكنه غير مقدور بالفرض.
و يدل عليه ايضا: اطلاق موثقة اسحاق بن عمار: عن الرجل يكون معه اهله في السفر لا يجد الماء ا ياتي اهله؟ قال: «ما احب ان يفعل الا ان يخاف على نفسه » قال، قلت: طلب بذلك اللذة، و يكون شبقا على النساء، قال: «ان الشبق يخاف على نفسه » قال، قلت: طلب بذلك اللذة، قال: «هو حلال » (100) الحديث، و نحوه المروي في مستطرفات السرائر (101) .
و قد يستدل: بحكاية ابي ذر، حيث ان النبي صلى الله عليه و آله اقره على فعله (102) .
و فيه: منع التقرير، لانه انما هو حين الاشتغال بالفعل، و اما بعده فليس تقريرا، بل قرره على قوله: هلكت.
خلافا لظاهر الاسكافي (103) ، و نقل عن المفيد ايضا و كلامه لا يدل عليه (104) ، للمرفوعتين المتقدمتين الدالتين على وجوب الغسل على من اجنب متعمدا (105) .و لا دلالة فيه كما مر.
لو عدم الماء و ما يتيمم به بالمرة، سقظ الاداء اجماعا، كما صرح به جماعة (106) ، لقوله عليه السلام في صحيحة زرارة: «لا صلاة الا بطهور» (107) و غيره مما يدل على انتفاء حقيقة الصلاة بانتفاء الطهور.
و حمله على نفي الصحة مع كون «لا» حقيقة في نفي الجنس لا وجه له، مع انه ايضا يكفي، اذ غير الصحيح ليس مامورا به.
و منه يظهر فساد ما قيل من ان الطهور شرط الصحة لا الوجوب، فيتوقف عليه المشروط مع امكانه، كما في القبلة و الساتر، دون ما اذا لم يمكن و الا لانقلب واجبا مقيدا بالنسبة اليه (108) .
لمنع انحصار التوقف بالامكان، بل مقتضى الاشتراط: التوقف مطلقا.
و التخلف في طائفة من الشرائط بدليل من خارج لا ينافي اصل الاقتضاء، و لا يوجب ذلك صيرورته واجبا مطلقا بالنسبة اليه، لان الفرق بين مقدمة المقيد و المطلق انما هو في وجوب التحصيل و عدمه مع الامكان.
نعم لو منع ارادة نفي الصحة من نحو الصحيحة، و احتمل ارادة نفي الكمال، لاتجه ان يمنع شرطية الطهور للصلاة مطلقا، اذ لا يثبت من الاخبار الاشتراط، بل غايتها التكليف المقيد بالامكان قطعا، فبدونه لا تكليف به، و يجب امتثال الامر بالصلاة.و اما الاجماع على الشرطية فهو لا يتجاوز عن صورة الامكان في ذلك المقام، و المناط هو الصحيحة و ما يؤدي مؤداها.
و لذا بعض من تامل في دلالة الصحيحة من المتاخرين جعل الاولى وجوب الاداء من غير اعادة لو لم ينعقد الاجماع على خلافه (109) .
و يظهر من السيد في مسائل املاها تكملة لكتاب الغرر و الدرر: وجوب الاداء عليه.
و حكى القاضي و المحقق قولا بوجوبها مع الاعادة (110) .
و عن الشيخ و القاضي تجويزهما معا (111) .
و في نهاية الاحكام: استحباب الاداء، لحرمة الوقت و الخروج عن الخلاف (112) .
و اما القضاء، فالحق وجوبه، وفاقا لاكثر المتاخرين، و عن الناصريات و الاصباح و المقنعة و المبسوط و الجواهر و السرائر و المنتهى و الشهيد (113) ، لعموم موجبات قضاء الفوائت مطلقا، او من الفرائض.
و كون الفوت لفقد الطهور من النوادر غير ضائر، لان الاحتجاج بالعموم دون الاطلاق.
و ظهور الفائدة فيما يجب اولا ممنوع، كما ياتي بيانه في بحث القضاء، مع ان اكثر العمومات يشمل الناسي الذي لا وجوب عليه.
و المتبادر من الفريضة ما تعلق به الوجوب في الجملة، بل هو حقيقتها، فلا يتوقف صدقها على الوجوب على خصوص هذا الشخص و ان اوجب ذلك تخصيصا من بعض الوجوه، و لا ضير فيه.
و خلافا للمنقول عن المفيد في رسالته الى ولده (114) ، و للوسيلة و المعتبر و الشرائع (115) ، و بعض كتب الفاضل (116) ، فلم يوجبوه، للاصل المندفع بما مر.
و تبعية القضاء للاداء الممنوعة جدا، و سواء اريد التبعية مفهوما او حكما، مع ان انتفاء التبعية حكما يكفي لنا و هو ثابت قطعا.
و لما ورد في اخبار كثيرة من الصحاح و غيرها-الآتية في بحث القضاء على المغمى عليه-ان «كل ما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر، و ليس على صاحبه شي ء» (117) حيث انه يعارض عمومات قضاء الفوائت بالعموم من وجه، و لا ترجيح، فيرجع الى الاصل.
و يرد: بعدم انحصار فقد الطهور بكونه من فعل الله سبحانه، بل قد يحصل بفعل المكلف من الذهاب الى مكان يفقد فيه الطهور، او اتلافه مع وجوده، او يحصل ذلك بفعل غيره من المكلفين، و يتم المطلوب في غيره بالاجماع المركب، و لا يصح ضمه مع صورة كونه بفعله سبحانه، لان نفي القضاء يكون حينئذ بالاصل، فيندفع بالاجماع المركب المنضم مع الدليل.
المتيمم ان وجد الماء قبل شروعه في الصلاة، ينتقض تيممه كما سيجي ء.
و ان وجده بعد الفراغ عنها، مضت صلاته كما عرفت.
و ان وجده في الاثناء يرجع ما لم يركع الاولى، و يتطهر و يصلي.فان ركع لها يتم صلاته و يمضي فيها، وفاقا للصدوقين (118) و الجعفي و العماني (119) و الشيخ في النهاية (120) ، و السيد في المصباح و الجمل (121) بل في شرح الرسالة كما حكي عنه (122) ، و اختاره من المتاخرين جماعة كالاردبيلي و صاحبي المنتقى و المفاتيح و الحدائق (123) ، و بعض سادة مشايخنا (124) ، و بعض محققيهم (125) .
لصحيح زرارة: «ان اصاب الماء و قد دخل في الصلاة فلينصرف و ليتوضا ما لم يركع، فان كان قد ركع فليمض في صلاته، فان التيمم احد الطهورين » (126) .
و خبر ابن عاصم: عن الرجل لا يجد الماء فيتيمم و يقوم في الصلاة فجاءه الغلام فقال: هو ذا الماء، فقال: «ان كان لم يركع فلينصرف و ليتوضا، و ان كان قد ركع فليمض في صلاته » (127) و رواه ابن محبوب في كتابه، و البزنطي في نوادره كما نقله الحلي في سرائره (128) .
و المروي في الدعائم: «و ان دخل في الصلاة بتيمم ثم وجد الماء فلينصرف و يتوضا و يصلي ان لم يكن ركع، فان ركع مضى في صلاته » (129) .
و المستفيضة الآتية المصرحة بانتقاض التيمم بوجدان الماء مطلقا، خرج ما بعد الركوع بما مر و ما ياتي، فيبقى الباقي.
خلافا للاسكافي، فقال: ما لم يركع الثانية، و لكنه احتمل عدم جواز القطع بعد الاولى ايضا ان خاف الضيق و عدم جواز القطع مطلقا (130) .
للجمع بين ما ظاهره لزوم الرجوع و لو صلى ركعة، كخبر الصيقل: رجل تيمم ثم قام يصلي فمر به نهر و قد صلى ركعة قال: «فليغتسل و ليستقبل » (131) .
و خبر زرارة: عن رجل صلى ركعة على تيمم ثم جاء رجل و معه قربتان من ماء قال: «يقطع الصلاة و يتوضا ثم يبني على واحدة » (132) .
و منافاة جزئه الاخير للاجماع لا تضر في البواقي.
و ما صريحه الامضاء بعد ركعتين، كصحيحة محمد و زرارة: في رجل لم يصب الماء و حضرت الصلاة فتيمم و صلى ركعتين، ثم اصاب الماء اينقض الركعتين و يقطعهما و يتوضا و يصلي؟ قال: «لا، و لكنه يمضي في صلاته و لا ينقضها لمكان انه دخلها على طهور بتيمم » (133) .
و بالاولين نقيد اطلاقات عدم القطع مطلقا او بعد الركوع، و بالثالثة اطلاقات الانتقاض بوجدان الماء.
و يجاب عنه: بضعف الخبرين و شذوذهما، لمخالفتهما الشهرة بل الاجماع.
و للديلمي، فقال: ما لم يقرا (134) .و لم اقف له على مستند.
و لابن حمزة، فقال بالرجوع مطلقا اذا ظن السعة، و استحبابه ما لم يركع ان لم يظن ذلك (135) .
و لعله للنصوص الدالة على الانتقاض بوجدان الماء و تقديم جانب الصلاة مع الضيق.
و يضعف: بوجوب تخصيص تلك النصوص بما تقدم، لخصوصيتها بالنسبة اليها.
و للمحكي عن المبسوط و الخلاف (136) ، و السيد في مسائل الخلاف (137) ، و القاضي و الحلي و الحلبي و الجامع و المحقق و الفاضل في القواعد-بل اكثر كتبه- و الكركي و التنقيح و اللمعة و الدروس و المدارك و اللوامع (138) ، بل الاكثر كما في الروضة و البحار (139) و اللوامع، بل عليه الاجماع في بحث الاستحاضة من السرائر (140) ، فقالوا بعدم الرجوع و وجوب الاتمام و لو تلبس بتكبيرة الاحرام.
لاصالة بقاء التيمم، و استصحاب كون المصلي جائزا له الصلاة، و كون ما صلى صحيحا اي لو ضم اليه الباقي يكون صحيحا، و اصالة عدم وجوب الوضوء و قطع الصلاة.
و لصحيحة زرارة و محمد، المتقدمة، حيث ان التعليل فيها يوجب المضي مع الدخول مطلقا.
و خبر ابن حمران: رجل تيمم ثم دخل في الصلاة و قد كان طلب الماء فلم يقدر عليه ثم يؤتى بالماء حين يدخل في الصلاة، قال: «يمضي في الصلاة » (141) الحديث.
و الرضوي-المنجبر ضعفه بما ذكر-: «اذا كبرت في صلاتك تكبيرة الافتتاح و اوتيت بالماء فلا تقطع الصلاة و لا تنقض تيممك و امض في صلاتك » (142) .
و يجاب عن الاصول: باندفاعها بما ذكر، و عن الاخبار: بانها مطلقة بالنسبة الى اخبارنا، و حمل المطلق على المقيد لازم، و الرجوع الى وجوه التراجيح انما هو مع التباين كليا او من وجه، مع انه لا ترجيح لها.
و ترجيحها بالاصحية سندا، حيث ان محمد بن حمران اشهر في العلم و العدالة من عبد الله بن عاصم، و بالايسرية، و بان العمل بها يوجب الجمع بحمل اخبارنا على الاستحباب، و بالموافقة للشهرة و الاجماع المنقول، و للنهي عن قطع العمل و ابطال الصلاة، مردود:
اما الاول: فبعدم صلاحيته للترجيح، كما بينا في موضعه، مع ان محمد بن حمران الاعدل هو النهدي، و لا قرينة هنا على التعيين، مع انه غير كاف في الترجيح مع اشتراك محمد بن سماعة الراوي عنه، و عدم قرينة على كونه الحضرمي، و تعينهما للمحقق (143) بقرينة-لو سلم-لا يفيد لنا، و كون الراوي عن سماعة البزنطي -الذي صرح الشيخ بانه لا يروي الا عن الثقات (144) -معارض بان في بعض طرق رواية ابن عاصم ابان المجمع على تصحيح ما يصح عنه.
ثم لو سلم ترجيح رواية ابن حمران على رواية ابن عاصم سندا، فلا ترجح على صحيحة زرارة قطعا، فانه لا يكافئه غيره من الرواة، و كذا من تقدم عليه لا يوازيهم من تقدم على ابن حمران.
و اما الثاني: فبانه و ان رجح اليسير على العسير و لكن لا دليل على ترجيح الايسر على اليسير، و لا نسلم العسر هنا.
و اما الثالث: فبان الجمع بالتخصيص-كما على المختار-ارجح منه بالتجوز قطعا.
و اما الرابع: فبمنع كون الموافقة للشهرة المحكية في الفتوى موجبا للترجيح، مع ان الشهرة المحققة القديمة على خلافه، اذ المعروفون منهم ذهبوا الى خلافه (145) .
و كذا الاجماع المنقول، مع ان الظاهر ان مراد الحلي هو الاجماع على المضي في الجملة لا مطلقا، حيث صرح في بحث التيمم بان في المسالة اختلافا، و نقل اقوالا ثلاثة (146) .
و اما الخامس: فلان ابطال العمل و قطع الصلاة المنهي عنهما انما هو اذا كان العمل صحيحا و الكلام فيه، فانه لا كلام في الابطال و القطع، بل في البطلان و الانقطاع.
و من ذلك ظهر انه لا ترجيح لاخبارهم اصلا، بل الترجيح من حيث السند و اظهرية الحمل مع اخبارنا.
و ترجحها ايضا اظهرية الدلالة، لجواز[القدح] (147) في دلالة رواية ابن حمران على كون الوجدان ايضا في الاثناء، بل الظاهر من قوله: «حين يدخل » انه وجده في آن الدخول، و تخرج حينئذ عن المتنازع فيه.
و في دلالة التعليل انه و ان اقتضى التعميم (148) و لكن بملاحظة التعليل بمثل ذلك في صحيحة زرارة للامضاء بعد الركوع خاصة، مع التصريح بالاعادة قبله (149) يضعف عمومه، اذ لعله ايضا كذلك.
هذا، مع انه على فرض التكافؤ من جميع الوجوه يجب الرجوع الى عمومات انتقاض التيمم بالماء.
ا: قيل: القول بالرجوع في الاثناء انما يتمشى على القول بجواز التيمم في السعة، و اما على القول بوجوب التاخير فتجب الاستدامة، لاستلزام تركها الاخلال بالعبادة في الوقت المضروب لها (150) .
و لا يخفى انه انما يصح اذا اريد التاخير الى الآخر الحقيقي بحسب الواقع، و اما اذا اريد العرفي او بحسب الظن فلا، بل الظاهر عدم وجوب الاستدامة على الاول ايضا، لظواهر الاخبار.فعلى المختار يرجع قبل الركعة و يتوضا و يقضي لو لم يف الوقت بالاداء وجوبا لا استحبابا كما قاله ابن حمزة (151) .
ب: لو وجد الماء حين يجب المضي و فقد قبل الفراغ من الصلاة، يعيد التيمم لصلاة اخرى، وفاقا للمبسوط و المنتهى و التذكرة (152) .
لا لانتقاض تيممه مطلقا او بالنسبة الى غير هذه الصلاة، و لا لاجل صدق الوجدان و التمكن، لكونهما محلي نظر (153) .
بل لان مقتضى الآية: وجوب الوضوء او التيمم عند ارادة كل صلاة، خرج ما خرج بدليل شرعي، فيبقى الباقي.مع ان المخرج-نحو صحيحة زرارة:
يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار؟ فقال: «نعم ما لم يحدث او يصب ماء» (154) الحديث، و قريبة منها رواية السكوني (155) و غير ذلك-مخصوص بغير المورد (156) ، بل يدل بضميمة الاجماع المركب[على]ان من اصاب الماء لا يصلي غير صلاة واحدة بتيمم واحد.
خلافا للمعتبر و الروض و المدارك (157) ، بل اكثر المتاخرين، لعدم التمكن من استعمال الماء، لتحقق المانع الشرعي، و لان تيممه ان انتقض فيلزم بطلان الصلاة التي فيها ايضا، و الا فلا وجه لاعادته، و لا معنى للانتقاض بالنسبة الى صلاة دون اخرى. و ضعفهما ظاهر بعد ما ذكرنا.
و الظاهر عدم جواز العدول الى فائتة سابقة اخرى، لما ذكر من الاصل.
ج: لا فرق فيما ذكرنا من القطع و الاتمام بين الفريضة و النافلة، لاطلاق الادلة (158) .
لو تيمم الجنب و من في حكمه ممن عليه الغسل، ثم احدث بالاصغر، اعاد التيمم بدلا عن الغسل و لو تمكن من الوضوء، على الاظهر الموافق لغير من شذ و ندر (159) ، لانه جنب و وظيفة الجنب التيمم عند عدم التمكن من الغسل.
اما الاول: فللاستصحاب، و المروي في الغوالي عن النبي صلى الله عليه و آله انه قال لبعض اصحابه الذي تيمم من الجنابة و صلى: «صليت باصحابك و انت جنب » (160) .
و ضعفه منجبر بالشهرة العظيمة، و الاجماع المحكي في المعتبر و التذكرة و غيرهما (161) .
و اما الثاني: فبالاجماع، اذ كل من قال بكونه جنبا اوجب عليه التيمم، و المخالف يدعي رفع جنابته.
و لصحيحة محمد: في رجل اجنب في سفر و معه ماء قدر ما يتوضا، قال:
«يتيمم و لا يتوضا» (162) دلت بترك الاستفصال على وجوب التيمم على من اجنب و وجد ماء الوضوء و لو سبقه تيمم آخر.
و قد يستدل (163) ايضا: باستصحاب وجوب التيمم عليه قبل التيمم و لو مع وجود الماء بقدر الوضوء، و استصحاب حرمة الوضوء، و بانه جنب، اذ لولاه لكان وجوب الغسل عليه عند التمكن-كما هو المجمع عليه-لوجود الماء خاصة و هو ليس بحدث اجماعا، مع ان حدثيته توجب استواء المتيممين في موجبه، ضرورة استوائهم فيه، و لكنه باطل قطعا، لان المحدث لا يغتسل و الجنب لا يتوضا.و اذا كان جنبا لا يجوز له الوضوء، لصحيحة زرارة: «و متى اصبت الماء فعليك الغسل ان كنت جنبا و الوضوء ان لم تكن جنبا» (164) .
و يضعف الاستصحابان: بان المسلم الوجوب و الحرمة المقيدان، و مع ذلك يعارضهما استصحاب العدم قبل الجنابة.
و الاخير: بان للخصم ان يقول: وجوب الغسل عليه للجنابة السابقة دون المتصلة بالغسل، اذ لا مانع من ان يوجب الشارع الغسل على من اجنب في وقت و لو زالت جنابته بسبب آخر، و بانه لا بد من حمل الماء في الصحيحة على ما يكفي الغسل، لمكان قوله: «فعليك الغسل » و لا خلاف في عدم جواز الوضوء حينئذ ان كان جنبا، و يكون خارجا عن محل النزاع.
خلافا للمحكي عن السيد في شرح الرسالة، فقال بوجوب الوضوء لو تمكن منه خاصة (165) ، و التيمم بدلا عنه لو لم يتمكن، و اختاره من الطبقة الثالثة في المفاتيح و الذخيرة و الحدائق (166) ، لارتفاع الجنابة، و قدمنا جوابه، و استصحاب الاباحة بالتيمم الاول، و كان المراد بها ارتفاع الممنوعية من جهة الجنابة، و اما بمعنى مطلق الممنوعية فقد زالت بالحدث قطعا.
و يدفعه: ان المسلم الاباحة المقيدة بما دام متيمما بهذا المعنى، مع ان ما تقدم من بقاء جنابته و عموم النهي عن الصلاة جنبا يدفع ذلك الاستصحاب.
ينتقض التيمم بما ينتقض به المائية، بالاجماع، و المستفيضة.
و بوجود الماء، باجماعنا المصرح به في كلام جماعة منا (167) ، و استفاضت به اخبارنا، كمرسلة العامري، المتقدمة في الامر الاول من الفصل الاول (168) ، و رواية السكوني، السابقة في المسالة الثانية (169) .
و صحيحة زرارة: يصلي الرجل بتيمم واحد صلاة الليل و النهار؟ قال:
«نعم ما لم يحدث او يصب ماء» قلت: فان اصاب الماء و رجا ان يقدر ماء آخر و ظن انه يقدر عليه، فلما اراد تعسر ذلك عليه، قال: «ينقض ذلك تيممه، و عليه ان يعيد التيمم » (170) .
و الرضوي و فيه: «لان ممره بالماء نقض تيممه » (171) .
و يشترط في الانتقاض به التمكن من استعمال الماء، بان لا يكون له مانع حتى من متغلب على الماءاو كونه في بئر و لا وسيلة اليه، او في يد من لا يبذله مطلقا او الا بثمن لا يمكنه، و نحو ذلك، و لا شرعي من مرض او خوف عطش او نحوهما.
و كانه اجماعي، و هو المقيد للاطلاقات، مضافا الى مفهوم الشرط في رواية ابي ايوب، المروية في تفسير العياشي، المنجبر ضعفه بما ذكر، و فيها: «اذا راى الماء و كان يقدر عليه انتقض التيمم » (172) .
و تخصيص عدم القدرة بالمانع الحسي لا وجه له، لان منع الشارع من الاستعمال ينفي الاقتدار جدا.
و مضي زمان يسع الطهارة، عند بعضهم (173) ، لامتناع التكليف بفعل في وقت لا يسعه، و لذا لو علم اولا عدم تمكنه من الاكمال، لم ينتقض تيممه.
و يضعف: بمنع الملازمة بين عدم التكليف بالاستعمال و بين بقاء التيمم، لجواز كون نفس وجود الماء-الجاري فيه استصحاب البقاء-ناقضا، و لذا لا يجوز للمتيمم الواجد للماء الشروع في الصلاة، و مس المصحف بالتيمم قبل مضي ذلك المقدار.بل يمكن الكلام فيما لم يظن بقاؤه بل يحتمل ايضا.
و يمنع قوله: و لذا لو علم...، لاطلاق الاخبار، حيث ترتب فيها النقض على مجرد الاصابة او المرور او القدرة عليه.
و منه يظهر عدم اشتراط مضيه، لما ذكر، كما هو ظاهر الصدوق (174) و شيخنا البهائي (175) و والدي العلامة قدس الله اسرارهم.
و كذا لا يشترط وجدان الماء في الوقت، فلا ينتقض بوجدانه في غيره كما قيل، مستدلا بتوجه الخطاب بالمائية-و لو ظاهرا-في الوقت، و هو ينافي بقاء التيمم دون غيره.
و فيه: ان عدم توجه الخطاب في غير الوقت لا يستلزم بقاء التيمم، مع ان الخطاب الاستحبابي-الذي هو ايضا ينافي البقاء-تعلق في غير الوقت ايضا.
نعم، يشترط صدق الاصابة و المرور عرفا ايضا، فلو راى ماء من بعد و كان متوجها اليه لا ينتقض تيممه و ان علم الوصول اليه في الوقت ما لم يصدق المعيار، فيجوز له مس المصحف و نحوه ما لم ينته الى حد الصدق.
نعم، لا يبعد ان يقال بعدم جواز الصلاة بالتيمم حينئذ، لعموم قوله سبحانه: «اذا قمتم...» و عدم صدق عدم الوجدان، حيث انه اعم من الاصابة و المرور عرفا، فان من راى الماء من بعيد و توجه اليه يقال: انه وجد الماء، و لا يقال: اصابه و مر به.و على هذا فيكون تيممه باقيا تجوز الصلاة معه لو تلف الماء قبل وصوله اليه و ان لم تجز قبل التلف.
و لو كان الماء في مسجد تمكن من استعماله عبورا، انتقض التيمم.و لو لم يتمكن منه الا مع اللبث في المسجد لا ينتقض، لوجود المانع الشرعي و لو قلنا باباحة الدخول و اللبث بالتيمم، لان اباحتهما موقوفة على بقاء التيمم، و هو على عدم القدرة على الماء، و هو على المنع من دخول المسجد، و هو على انتقاض التيمم، فاباحتهما موقوفة على بقاء التيمم و انتقاضه، و هو محال، و الموقوف على المحال محال.
الا انه لاحد ان يقول: عدم اباحتهما ايضا موقوف على عدم بقاء التيمم، و هو على القدرة على الماء، و هو على جواز دخول المسجد، و هو على بقاء التيمم، فعدم الاباحة محال.
و بعبارة اخرى في الطرفين: بقاء التيمم موقوف على عدم القدرة، و هو على عدم البقاء، فالبقاء يستلزم عدم البقاء.و الانتقاض يستلزم القدرة و هي فرع عدم الانتقاض، فالانتقاض يلازم عدم الانتقاض.و المقام مقام تردد و اشكال.
و لو وجد جماعة متيممون ماء يكفي لاحدهم، و اقتدر كل منهم على استعماله، انتقض تيمم الكل، للاطلاق.
لو كان على اعضاء التيمم-كلا او بعضا-جبيرة او حائل آخر تعذر حلها، مسحها كما في الوضوء، بلا خلاف اجده، و في الحدائق و اللوامع: كانه لا خلاف فيه (176) .
و يدل عليه: اطلاق صحيحة الوشاء و حسنة كليب، او عمومهما بترك الاستفصال:
الاولى: عن الدواء اذا كان على يدي الرجل ايجزيه ان يمسح على طلي الدواء؟ فقال: «نعم، يجزيه ان يمسح عليه » (177) .
و الثانية: عن الرجل اذا كان كسيرا كيف يصنع بالصلاة؟ قال: «ان كان يتخوف على نفسه فليمسح على جبائره و ليصل » (178) .