و هو لا يخلو عن اقسام، لانه (1) اما يقر، او ينكر، او يسكت، او يدعي الرد او الابراء او نحوهما، او يقول: لا ادري، او: هذا ليس لي، و نحوه، او يكون المدعى عليه غائبا.. فها هنا ستة ابحاث.
و فيه مسائل:
متى تحقق الاقرار بجميع المدعى به، و كان المقر جامعا للشرائط المقررة في بابه -من البلوغ و العقل و عدم الحجر في الماليات-لزم عليه ما اقر، سواء حكم الحاكم به ام لا، لان اقرار العقلاء على انفسهم جائز.
بخلاف ما اذا اقام المدعي بينة، فانه لا يثبت بمجرد اقامتها، لانها منوطة باجتهاد الحاكم في قبولها و ردها.
و تظهر ثمرة الفرق بين المقامين بذلك في جواز مقاصة المدعي حقه اذا ادعاه ظنا او احتمالا، فيجوز بالاقرار و ان لم يحكم الحاكم بعد، دون البينة، فانه يتوقف على الحكم.
و في جواز اخذ المقر به عنه لكل احد من باب النهي عن المنكر.
و في جواز الحكم لقاض آخر بعد علمه بالاقرار، بخلاف البينة المعدلة عند القاضي الاول، فانه لا يجوز الحكم للثاني بدون التعديل عند نفسه.
و الحاصل: ان الاقرار علة تامة لثبوت الحق عليه، بخلاف البينة، فانها مع الحكم علة..او يقال: ان الاقرار حجة مطلقة لكل احد، و البينة لم تثبت حجيتها الا للحاكم.
فان قيل: كما ان ثبوت الحق بالبينة يتوقف على ثبوت حجية البينة اولا بادلتها، ثم النظر في حالها من العدالة و الجرح و نحوهما، ثم النظر في دلالة اللفظ المؤدى به الشهادة..فكذلك الثبوت بالاقرار، فانه يتوقف على جواز اقرار العقلاء بانفسهم، و ثبوت الرواية، و فهم المراد من الجواز، ثم النظر في حال المقر من كونه بالغا عاقلا رشيدا غير مكره، ثم النظر في حال لفظ الاقرار، فان في الالفاظ حقائق و مجازات، و لها قرائن، و لذا عنون الفقهاء مسائل كثيرة في تحقيق معاني الاقرارات.
و لا يمكن ان يقال: ان ادلة حجية البينة تختص بحجيتها للحاكم دون دليل ثبوت الاقرار، لانه لا فرق بينهما من هذه الجهة، و انما يختص الحكم بالحاكم، لادلة اختصاص الحكم به و عدم جوازه لغيره.
قلنا: فرق بينهما، اولا: في المقدمة الاولى، فان حجية الاقرار لا تثبت بالحديث المذكور خاصة، بل هي صارت ضرورية لكل احد -خاصي و عامي-فلا يحتاج الى اجتهاد في حجية الاخبار سندا و متنا و الفحص عن المخصص و المعارض و نحوهما..بخلاف ادلة البينة.
فان قلت: حجية البينة العادلة ايضا صارت اليوم ضرورية.
قلت: نعم، و لكن للحاكم، يعني: ثبت على كل احد انها حجة للحاكم لا لكل احد، بخلاف الاقرار.
و ثانيا: في المقدمة الثانية، فان ما يحتاج معرفته من حال البينة امور شرعية توقيفية خلافية صعبة الماخذ، يحتاج الى الاجتهاد في ماخذه من العدالة و التهمة و الاصرار على الشهادة، و من معرفة من لا تجوز شهادته و من تجوز و نحو ذلك... بخلاف حال المقر غالبا، فان معرفة احواله بالنسبة الى المجتهد و غيره متساوية.
نعم، لو كان المقر في حالة اختلافية شرعا، بحيث تحتاج معرفته الى الاجتهاد و الفقاهة من علامات البلوغ او الرشد او نحوهما، فنقول: يتوقف الثبوت بالاقرار على الحكم ايضا.
و ثالثا: في المقدمة الثالثة، فان فهم الاقرار انما هو كفهم سائر معاني الالفاظ العرفية التي يتساوى فيها العامي و الخاصي، و حجة على كل احد..
بخلاف ما تؤدى به الشهادات، فان فيها اختلافات، كقبول الشهادة العلمية و الاستصحابية و نحوهما.
نعم، لو فرض ثبوت الحق بالتواتر بالفاظ محكمة على نحو يظهر على كل احد، فنقول: انه كالاقرار، و لكنه فرد نادر، و مع ذلك ليس اثباتا بالبينة التي تقابل الاقرار.
اثبات الاقرار بالبينة كالاقرار في لزوم الحكم به ، الا ان في الاقرار لا تسمع دعوى عدم الاستحقاق حينئذ، لانه انكار بعد الاقرار، الا اذا اقر بالاشتغال سابقا..و تسمع في اثباته.
و المراد بسماعه في اثباته: انه يسمع لو ادعى سبب عدم الاستحقاق، كرد او ابراء، و حينئذ ينقلب مدعيا، و له احلاف المدعي على نفيه..و لعل ذلك مراد الفاضل في القواعد من حكمه بجواز احلاف المنكر المدعي-المثبت لاقراره بالبينة-على نفي الاستحقاق (2) .
و اذا اقر المدعى عليه، فان التمس المدعي الحكم به له عليه فالظاهر عدم الخلاف بينهم في وجوبه حينئذ ، و ان اختلفوا فيه قبل سؤال المدعي.
و فيه: ان بعد ما تقرر عندهم في المسالة الاولى-من عدم كون الحكم هنا جزءا لسبب ثبوت الحق، و جواز اخذ المدعي بنفسه بدون الحكم قهرا او تقاصا، و جواز اخذ سائر المقتدرين-فلا وجه للحكم بوجوب الحكم بسؤال المدعي مطلقا، لعدم دليل عليه.
نعم، يصح ذلك لو توقف الوصول الى الحق عليه، فالصحيح التقييد به.
لا يقال: عمومات وجوب الحكم بما انزل الله (3) تثبته هنا ايضا.
قلنا: لا شك انها مقيدة بصورة التوقف، لان الحكم من الواجبات المشروطة بالحاجة، فانه لو فرض ان بعد الترافع و قبل الحكم وقع الصلح بين المتداعيين او اعطاه حقه او نحو ذلك، لا يجب الحكم على الحاكم.
ثم على القول بوجوبه مطلقا او فى صورة التوقف فهل يجب بعد سؤال المدعي، او قبله؟
فيه قولان، و الاولى و الاحوط: التوقف بالسؤال و لو بشاهد الحال، بل مقتضى الاصل عدم الوجوب بدونه، بل يمكن القول بعدم الجواز ايضا و عدم ترتب الاثر عليه، لان الحكم الزام مخالف للاصل.
و اذا وجب عليه الحكم فيحكم عليه بما يفيد انشاء الزامه من الالفاظ ، و لا يكفي مثل قوله: ثبت عندي في ترتب الاثر، لانه ليس حكما، بل اخبار.
و لو طلب المدعي كتابة الحجة على المدعى عليه ليكون في يده، ففي وجوب اجابته و عدمه قولان، اشهرهما-كما صرح به في المفاتيح (4) .
و شرحه و غيرهما (5) -الوجوب.
و حكى في المبسوط قولا بعدمه (6) و اختاره بعض متاخري المتاخرين، للاصل.و هو الحق، لانه ان كان لانشاء الحكم فقد حكم لفظا و لا يجب غيره، و ان كان لاستمراره و الدوام عليه بعد ذلك فاي دليل على وجوب ذلك؟ ! فانه قد لا يحتاج اليه بعد ذلك، و لو احتاج فقد لا ينساه الحاكم او الشهود على الحكم، و ان نسيه فقد لا يتذكر بملاحظة الكتابة.
و لذا اقتصر جمع من المتاخرين في ايجاب الكتابة بما اذا توقف ايصال الحق المحكوم به عليها.
و هو ايضا غير سديد، لانه لا يختص بالكتابة و لا بالحاكم، بل يجب على كل احد الايصال بما امكنه من باب الامر بالمعروف، فلا وجه حينئذ للتخصيص بالكتابة، فانه قد يحصل الاثر بنصب احد على الاخذ منه، او اعلام مقتدر برسالة، او برفع صوت و غلظة عليه، او بتخويف، او غير ذلك من الوجوه.
و قد يتوقف على احد هذه الامور، فذكر الكتابة و ايجابها بخصوصها لا وجه له.
هذا، مع ان ترتب الاثر على الكتابة غالبا يكون باراءتها لمقتدر على اجراء الحكم فيجريه، فهو ان اجراه بمجرد الكتابة من غير ضم بينة معها -كما هو المتعارف في هذه الازمنة-فهو غير جائز، و الكتابة-لاجل ذلك- تكون نوع اعانة على الاثم..و ان ضم معها البينة فهي بنفسها كافية، الا ان يفرض كون الكتاب قرينة موجبة لحصول العلم بضم خبر عدل او فساق، او[وقف] (7) المقتدر الايصال بالكتاب.
ثم انه اذا لم تجب الكتابة و طلبها المدعي و اجابه الحاكم استحبابا فله اخذ الاجرة عليها و ثمن القرطاس و المداد، و متى وجبت لم يجز له اخذ الاجرة، لعدم جوازه في الواجبات العينية و لا الكفائية، كما مضى في كتاب التجارة، بل لا يجوز له طلب ثمن القرطاس و نحوه ايضا.
و من القائلين بوجوب الكتابة اذا توقف اثر الحكم عليها من لم يجوز الاجرة على الكتابة، و جوز اخذ نحو القرطاس.
و هو غير جيد، لان اعداد ما تتوقف عليه الكتابة الواجبة ايضا يكون كاصل الكتابة مما يتوقف عليه الواجب، فيكون اعداده واجبا عليه لو لم يؤده المدعي، فان اراد جواز الاخذ منه لو اعطاه فهو كذلك، لانه ايضا نوع اعداد، و ان اراد انه يجوز ايقاف الكتابة على اخذه منه فلا.
ثم اذا كتب الكتاب ينبغي-بل يلزم عليه-ان يكتبه على نحو يخصص المدعي و الغريم و يميزهما عن غيرهما، بحيث لا يقبل الاشتباه، و يامن عن التزوير، سواء حصل ذلك المقصود بكتابة النسب او الحلية (8) او هما معا.
و الخلاف في هذا المقام في انه هل يكفي الاول او الثاني و نحو ذلك لا وجه له، اذ ليس ذلك منوطا بدليل شرعي، و انما المقصود رفع الاشتباه و الامن من التزوير، و قد يحصل التزوير بالاكتفاء بالنسب، كما قد يحصل بالاكتفاء بالحلية، و لا بد في النسب ايضا الى ذكره بقدر لا يقبل اللبس عادة، فقد يتعدد زيد بن عمرو بن بكر الاصفهاني مثلا.
و قد يتواطآن على تشهير احدهما بتلك النسبة في بلد آخر، بحيث يحصل العلم لكثير من اهل ذلك البلد، و تنتهي مسببيته الى كتابته باسمه و نسبه، او قول المكاريين، او نحوهما.
و لا بد من تمييز المدعي ايضا كما ذكرنا، اذ قد يقع التزوير من جهته فيتواطآن على ادعائه و حكم الحاكم له و اخذه المدعى به بحضوره لدفع خصومة شخص آخر.
و اذ حكم الحاكم عليه، فان ادى المحكوم عليه الحق بنفسه فهو ، و الا فان كان ذا مال فيكلف بالاداء، فان امتنع و مطل بلا عذر مقبول كان للمدعي اخذه منه قهرا و لو بالملازمة له.
و ان لم يقدر فيجب على كل من يقدر كفاية، فان احتاج الايصال الى عقوبة له-من حبس او اغلاظ في القول و نحوهما-فيجب على الحاكم..
و الظاهر عدم جوازه للغير و لو نفس المدعي.
اما جوازه للحاكم فلتوقف ايصال الحق عليه و هو واجب.
و للخبر المشهور المنجبر: «لي الواجد يحل عقوبته و عرضه » (9) .
و المستفيضة الواردة في حبس المماطل، كموثقة عمار: «كان امير المؤمنين عليه السلام يحبس الرجل اذا التوى على غرمائه، ثم يامر فيقسم ماله بينهم بالحصص، فان ابى باعه فيقسم بينهم » يعني: ماله (10) .و نحوها ذيل رواية الاصبغ (11) .
اقول: الالتواء من اللي، و هو سوء الاداء و المطل.
و روايتي غياث، الاولى: «ان عليا عليه السلام كان يفلس الرجل اذا التوى على غرمائه، ثم يامر به فيقسم ماله بينهم بالحصص، فان ابى باعه فقسمه بينهم » يعني: ماله (12) .
و الثانية: «ان عليا عليه السلام كان يحبس في الدين، فاذا تبين له افلاس و حاجة خلى سبيله حتى يستفيد مالا (13) » .و قريبة منها صدر رواية الاصبغ (14) .
و رواية السكوني: «ان عليا عليه السلام كان يحبس في الدين، ثم ينظر، فان كان له مال اعطى الغرماء، و ان لم يكن له مال دفعه الى الغرماء، فيقول لهم: اصنعوا به ما شئتم، ان شئتم فآجروه، و ان شئتم فاستعملوه » (15) .
و بهذه الاخبار-المعتضدة بلزوم الامر بالمعروف و النهي عن المنكر، مثل: رواية جابر الطويلة في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر: «فانكروا بقلوبكم، و الفظوا بالسنتكم، و صكوا بها جباهم » (16) ، و مرسلة التهذيب:
«قد حق لي ان آخذ البري ء منكم بالسقيم، و كيف لا يحق لي ذلك؟ ! و انتم يبلغكم عن الرجل منكم القبيح و لا تنكرون عليه و لا تهجرونه و لا تؤذونه حتى يتركه » (17) ، و غير ذلك (18) -تخصص ادلة نفي الضرر و نحوها.
و اما صحيحة زرارة: «كان علي عليه السلام لا يحبس في السجن الا ثلاثة:
الغاصب، و من اكل مال اليتيم ظلما، و من ائتمن على امانة فذهب بها، و ان وجد له شيئا باعه، غائبا كان او شاهدا» (19) -حيث دلت من جهة اطلاق الجزء المنفي من الحصر على عدم حبس غير الثلاثة-فهي اعم مطلقا مما مر، فيجب تخصيصها به.
و اما وجوبه على الحاكم فلكونه امرا جائزا يتوقف عليه واجب، هو ايصال الحق، و ما يتوقف عليه الواجب واجب، بل تدل عليه الروايتان الاخيرتان و ما بمعناهما في الامر بالمعروف و النهي عن المنكر.
و اما اختصاص وجوبه بالحاكم فلا اختصاص غير الخبر الاول من اخبار الحبس بفعل الامام عليه السلام..و الاول مجمل، حيث انه حكم بحل العقوبة، و لم يبين انه على من يحل، فيقتصر فيه على المتيقن.
و اما اخبار الامر بالمعروف و ان كانت عامة الا انها مخصصة بمثل رواية مسعدة بن صدقة: سئل عن الامر بالمعروف و النهي عن المنكر ا واجب هو على الامة جميعا؟ فقال: «لا» فقيل: و لم؟ قال: «انما هو على القوي المطاع العالم بالمعروف من المنكر، لا على الضعفة الذين لا يهتدون سبيلا» الى ان قال: «و الدليل على ذلك كتاب الله عز و جل: قول الله عز و جل: «و لتكن منكم امة يدعون الى الخير و يامرون بالمعروف و ينهون عن المنكر» (20) فهذا خاص غير عام » الحديث (21) .
و من ذلك يعلم انه اذا آل الامر الى العقوبة و الايذاء لا يجوز لغير الحاكم، لانها اعمال غير جائزة في الاصل يجب الاقتصار فيها على موضع الرخصة، و لان غيره لا يعلم قدر الجائز منها فيتعدى عن الحق.
ا: هل يجوز للحاكم الاذن لغيره، و لغيره المباشرة باذنه بقدر ما اذن فيه؟ الظاهر: نعم، لانه حينئذ يكون عالما، كما ورد في رواية مسعدة.
ب: هل يجوز لمباشر الايصال مع العقوبة او بدونها اخذ الاجرة عليها؟ الظاهر: لا، لما مر في كتاب التجارة، الا اذا لم تكن له كفاية لمعاشه لو اشتغل بالايصال-اي تضرر ضررا بينا-فيسقط عنه الوجوب، لمعارضة ادلته مع ادلة نفي الضرر، و الاجرة حينئذ على بيت المال ان كان، و الا على المدعي ان طلب و اراد، و لا يجوز الاخذ من المدعى عليه بوجه.
ج: اذا ماطل المحكوم عليه، و لم يقتدر الحاكم على الايصال، و طلب المدعي من الحاكم كتابة الحكم او شهادة الشاهدين عليه او نحوهما حتى يوصله و يجري الحكم من يقدر عليه، يجب عليه-كما مر-ان لم يعلم ترتب محرم عليه، كالتعدي من الجائز في الايذاء، من قذف او ضرب او اخذ مال او مطالبة من اقربائه و نحوها.
و ان علم ذلك، فان كان مقصود الحاكم ايضا ان يفعل المدعي كذلك فهو معاونة على اثمين: اثم المدعي-حيث ان اخذه ذلك ليؤديه الى المقتدر الجائر المتعدي عن الجائز معاونة للجائر (22) على اثمه-و اثم الجائر.
و ان لم يكن مقصوده ذلك، فان علم ان المدعي يفعل كذلك فلا معاونة منه على اثم الجائر-كما بينا في العوائد (23) -و لكنه معاونة على اثم المدعي، و لكن لا يحرم على الحاكم مع ذلك، لتعارض ادلة حرمة المعاونة على الاثم مع ادلة وجوب ردع المماطل و اخذ الحق منه، فيرجع الى اصل الجواز..بل يمكن القول بذلك في حق المدعي ايضا، لمعارضة ادلة نفي الضرر في حقه مع ادلة حرمة المعاونة، فتامل.
د: العقوبة المجوزة للحاكم في حق المماطل لا تختص بالحبس و الاغلاظ، بل قد تنتهي الى الاكثر منه-من ضرب-فيجوز ايضا، لاطلاق العقوبة و قوله: «صكوا جباههم » و قوله: «لا يؤذونه » ..و يجب الاقتصار على الاقل.
و انما اطنبنا في ذلك المقام للاحتياج اليه في امثال تلك الازمنة.
ه: لو لم تفد العقوبة في ادائه، و لم يمكن بيع ماله، يحبس حتى يؤدي او يموت او يبرئه الغريم.
كما تجوز للحاكم عقوبة المماطل الغير المؤدي للحق، فهل يجوز له اعطاء ماله للمحكوم له من غير اذنه اذا امكن و كان من جنس الحق، و بيعه و اعطاؤه الثمن ان لم يكن من جنسه، ام لا؟
و اذا جاز فهل هو مقدم على العقوبة-يعني: ان العقوبة انما تكون اذا لم يمكن اعطاء المال، او بيعه-او مخير بينهما، او يتاخر فيعاقب، فان ابى مع العقوبة ايضا يعطي او يبيع؟
لم يحضرني الآن تصريح بذلك من الاصحاب، الا ما ذكره بعض الاجلة في شرحه على القواعد، حيث قال: و ان عرف كذبه في دعوى الاعسار حبس حتى يخرج من الحق بنفسه، او يباع عليه ماله و يعطى صاحب الحق (24) .انتهى.
فان كان قوله: «يباع » عطفا على «حبس » يكون تخييرا بين الحبس و البيع، و ان كان عطفا على «يخرج » يكون حكما بتاخير البيع عن العقوبة.
و قال بعض الفضلاء المعاصرين: ثم ان كان المقر واجدا للمال فيلزم باعطائه و لو بحبس الحاكم و اغلاظ القول، او بان يبيع ماله في اداء دينه لو لم يمكن الاستيفاء الا بذلك (25) .انتهى.
فان كان قوله: «بذلك » اشارة الى الحبس و البيع معا يكون قولا بالتخيير، و ان كان اشارة الى البيع يكون قولا بتاخير البيع عن الحبس.
اقول: كما ان العقوبة مخالفة للاصل لا ترتكب الا مع الدليل، فكذلك اعطاء ماله او بيعه، لان تمييز ما في ذمة شخص من بين امواله بيده و بيع غير المالك لا يجوز، و الدليل على حلية العقوبة موجود كما مر، و لا دليل على الاعطاء و البيع الا كونه مما يتوقف عليه ايصال الحق الواجب، و هو-قبل الياس بالعقوبة المنصوص جوازها-ممنوع، فلا يجوز الا بعد عدم تاثير العقوبة.
و تدل عليه ايضا الروايات المتقدمة المصرحة بتاخير البيع عن الحبس (26) .
نعم، اذا لم يمكن العقوبة لغيبة-بخفاء او فرار-يجوز البيع و الاعطاء اولا، لكونه مما يتوقف عليه الايصال.
و هل يباع بغير الغريم، او يجوز البيع به ايضا؟
الظاهر: الثاني، للاصل.
و لا يتوهم ان الظاهر من الروايات البيع بالغير، حيث قال: «باعه، فيقسم » ، لانه يمكن ان تكون الفاء تفصيلية، اي باعه بان يقسمه بين الغرماء، فيبيع كلا منهم بقدر حصته..بل هو الظاهر من قوله: يعني ماله، فان الظاهر ان الغاية لبيان ان المقسوم بينهم نفس المال دفعا لتوهم تقسيم الثمن، [لا انها] (27) لبيان ان المبيع نفس المال لدفع توهم بيع المديون، لانه ليس محلا للتوهم.
هذا، مضافا الى كون تقدير الثمن في قوله: «يقسمه » خلاف الاصل.
لو ادعى المحكوم عليه بالاقرار او بغيره الاعسار ، فان علمه الحاكم او اقر به المحكوم له يثبت اعساره..
و الا فاما لا يعلم له مال او لا، حتى ما اخذه من المحكوم له، و ذلك يكون بان تكون الدعوى على نفقة زوجة او صداقها او دية جرح او مال مصالحة دعوى غير ثابتة او نحوها.
او يعلم له مال و يعلم تلفه ايضا، كان يعلم ان ما اخذه من المحكوم له انفقه، او اخذ منه قهرا، او سرق، و نحو ذلك، و لا يعلم ما سواه.
او يعلم له مال غير معلوم التلف، و لو كان هو ما اقترضه من الغريم او اشتراه منه.
فعلى الاولين، فان ادعى المحكوم له علمه بكذبه في الاعسار و كونه ذا مال تطلب منه البينة، لانه مدع حينئذ، و البينة على المدعي، فان جاء بها و اثبت عليه مالا موجودا يؤخذ منه، و ان لم يؤده كان حكمه حكم الواجد للمال، و قد مر.
و ان اثبت عليه مالا قبل ذلك، و لم يعلم تلفه، يصير من القسم الاخير، و ياتي حكمه.
و ان لم تكن له بينة احلف المحكوم عليه، لانه منكر حينئذ، و اليمين على من انكر.
و ان لم يدع علمه بكذبه بل ظن ذلك او جوزه لما مر سابقا من سماع الدعوى بالظن و الاحتمال، فيكون المحكوم له مدعيا، و المحكوم عليه منكرا، فاليمين عليه.
و تامل فيه المحقق الاردبيلي، بل قال بعد تامله: و عدم احلافه اظهر، لظاهر آية النظرة، و لعدم الدليل على الاحلاف الا في الصورة الاخيرة.
و فيه: ان مدلول الآية انظار ذي العسرة، و عسرته بعد غير معلومة لا واقعا و لا شرعا، فكيف يستدل لحكمه بالآية؟ ! و الدليل له-على ما اخترناه من سماع الدعوى المظنونة و الموهومة-ظاهر، لصدق المدعي و المنكر.
نعم، يشكل ذلك على القول بعدم سماعها، لعدم الدليل، و تصريحهم بالاحلاف هنا ايضا مؤيد لما اخترناه.
و هل له رد الحلف اذا كان غريمه جازما في دعواه يساره ام لا؟
فيه اشكال ينشا من عمومات الرد و عدم المانع، و من ان فائدة الرد الخروج عن عهدة المدعى به اذا حلف المدعي، فان قوله: «رددت عليك اليمين » متضمن ل: انه ان حلفت اخرج عن عهدة دعواك، و هو يثبت هنا بعدم القدرة عليه، فكيف يرد؟ ! بل في شمول عمومات الرد لمثل المقام تامل ايضا.
و لعل الاول اظهر، اذ تظهر الفائدة في نكول المدعي فتسقط دعواه، و في حلفه، فان انكاره القدرة لا يثبت انتفاءها واقعا، فيثبت عليه اليسار بعد حلف المدعي، و يعمل معه ما يعمل مع الواجد من الحبس و الغلاظ الى ان يؤدي او يموت او يبرئه المدعي.
و ان لم يرد الحلف-اما لعدم امكانه، كما اذا كانت دعوى يساره غير مجزومة، او لم يرد الرد-فان حلف على عدم اليسار حكم له بالاعسار، و ان نكل و لم يحلف فقال في القواعد و حكي عن التذكرة: انه يحلف مدعي اليسار، فيحكم بيساره، و يعمل معه عمل الواجد من الحبس (28) .
و قال بعض الفضلاء المعاصرين: انه يعمل به عمل الواجد، فيحبس من غير ذكر حلف المدعي (29) .
و لعله مبني على الخلاف في ان مع نكول المنكر هل يثبت حق المدعي، او يرد الحاكم اليمين على المدعي..و ياتي تحقيقه.
و على الاخير-و هو ان يعلم له مال و ادعى تلفه-فتؤول الدعوى الى تلف المال، و الاصل بقاؤه، فيصير المدعي عليه بالحق مدعيا لتلف المال فتطلب منه البينة، فان اقامها يحكم له بالاعسار، و يعمل معه عمل ذي العسرة، و ياتي.
و ان لم يقم البينة، فقال جماعة-منهم: الشرائع و القواعد و الكفاية (30) و غيرها (31) ، بل قال بعض مشايخنا المعاصرين: انه المشهور (32) -انه يحبس حتى يعين اعساره، او يقر، او يخرجه صاحب الحق.
و عن التذكرة: انه يحلف مدعي الحق على عدم التلف ثم يحبس (33) .
و هو ظاهر بعض متاخري المتاخرين (34) .
حجة الاول: رواية غياث الثانية، و صدر رواية الاصبغ، و رواية السكوني، المتقدمة جميعا في المسالة الرابعة.
و دليل الثاني: العمومات الآتية المصرحة بانه اذا لم تكن للمدعي بينة فيمين المدعى عليه او المنكر (35) .
اقول: مقتضى الاخبار الاولى الحبس مطلقا، سواء كان المدعى عليه منكرا جازما بعدم التلف او لا، بل كان يقول: لا ادري، كما هو الاكثر..
و لكنها مخصوصة بالدين، بل من لم يثبت حاله من الاعسار و عدمه.
و مقتضى العمومات الثانية حلف المدعى عليه في خصوص صورة الانكار و دعوى عدم التلف، و لكنها عامة في الدين و العين و سائر الحقوق.
فتتعارضان بالعموم من وجه في صورة انكار المدعي، و لا اصل هنا، و كل من الحبس و الاحلاف مخالف للاصل محتاج الى الاذن، فمقتضى القاعدة التخيير بين الحبس او لا، او الاحلاف ثم الحبس، الا اني لم اجد به قائلا، و لكن اثبات الاجماع المركب في امثال المقام مشكل، و الاحوط الاحلاف ثم الحبس، و دليل تجويز الاحلاف حينئذ ادلة الاحتياط، كما بينا في موضعه.
و لكن يحصل الاشكال للحاكم حينئذ لو لم يحلف المنكر لعدم التلف، فهل يحكم بنكوله و يثبت به الاعسار، او يحبس؟
و لندرة الفرض-من جهة ان الاغلب عدم علم المدعي، و لو فرض احيانا-فنكوله نادر، و لو فرض النكول فتمكن الحبس للحاكم في هذه الازمنة مشكل، و جواز غيره من العقوبات هنا غير ثابت، فصرف الوقت في حاله حينئذ ليس بذلك المهم.
و كيف كان، فلو لم ينكر المدعي عدم التلف يحبس، للروايات المتقدمة الخالية عن المعارض.
هذا، و للمحقق الاردبيلي هنا كلام آخر، حيث قال:
قد لا تكون له بينة و يكون معسرا لا مماطلا، و مجرد وجود مال سابقا لا يستلزم بقاءه، و الرواية ضعيفة، و دلالتها غير ظاهرة..و قد يكون ظاهر حاله اتلافه، كان يستقرض ليخرجه في مؤنته مع حاجته، او وجد عنده و كان يحتاج كل يوم الى نفقة، و كيف ياتي بالبينة باخراج كل درهم؟ ! فيمكن عدم الحبس، بل احلافه على عدم بقائه عنده، و يخلى سبيله الى الميسرة و يؤيده ظاهر الآية، فان الظاهر منها كونه ذا عسرة بحسب الظاهر لا نفس الامر، و هو حينئذ كذلك، فيمكن عدم اليمين ايضا لذلك، الا انه لما ادعي عليه المال، و علم وجوده، و لم يكن للمدعي اثبات البقاء، و الاستصحاب يقتضي البقاء، و انكر هو وجوده، احلف.انتهى.
اقول: اما دعوى ضعف الرواية-بعد اشتهار العمل بمضمونها- فلا يضر..و اما عدم ظهور دلالتها فلا يتحقق وجهه.
و اما ظهور اعساره، فان بلغ ذلك الى حد يعتبر شرعا فلا كلام، لحصول التبيين المذكور في الروايات..و اما اذا لم يبلغ ذلك فلا وجه لاعتباره و ترك النص لاجله، و لفظ «ذي العسرة » موضوع للمعنى الواقعي، غاية الامر تقييده بالعلم ايضا، و اما بامثال ذلك الظهور فلا، و احلاف مدعي التلف لا وجه له، و جعله منكرا للبقاء لا (وجه) (36) يجعله منكرا، و الا لجرى ذلك في كل مدع..فكلامه غير سديد.
ا: البينة التي تقام على الاعسار يلزم ان تشهد بتلف المال علما او حسا على اختلاف القولين في مسالة الشهادة، و حينئذ تقبل، لانها بينة الاثبات، اما لو شهد بمطلق الاعسار فهو راجع الى النفي، فلا تقبل.
نعم، اذا كان مراقبا لاحوال المشهود له، مطلعا على خفايا امره، فله ان يشهد بما ضبط و اطلع من احواله و اعماله الكاشفة عن العسر، فان علم الحاكم بها عسره يحكم به، و اما شهادته بانه ذو عسرة او معسر فلا وجه لقبولها، الا اذا اكتفينا بالشهادة العلمية، و قلنا بان تلك شهادة اثباتية، و المقدمتان ممنوعتان.
ب: مؤنة المحبوس حال الحبس من ماله، و وجهه ظاهر. و يشكل الامر لو لم يكن له شي ء ظاهر، و كان ينفق كل يوم بقرض او كسب قدر مؤنته او سؤال او كل على غيره و نحوها، بل قد يغتنم المحبس لذلك.
و كذا الاشكال في مؤنة الحبس، فانه يحتاج الى مكان و مراقب ليلا و نهارا لئلا يهرب، فان كان هناك بيت مال فالمؤنتان عليه، و الا فان بذله خصمه من ماله فلا اشكال ايضا، و الا فتحميله على الحاكم ضرر عليه منفي شرعا، فيعارض بادلته ادلة الحبس، فيرجع الى اصل عدم وجوب الحبس عليه، او يقال بالتخيير، فله اطلاقه و لا يجب عليه شي ء.
ج: اذا لم يكن للحاكم محبس، و لا اعوان ينصبها للمراقبة، و سائر ما يحتاج اليه للحبس-كما هو الغالب في تلك الازمنة-فله بعثه الى محبس السلطان و نحوه، و للسلطان و نحوه الحبس باذن الحاكم، لانه يصير حينئذ محبسا للقاضي.و لو لم يتمكن من ذلك ايضا سقط عنه.
ثم اذا حكم للمدعى عليه بالاعسار بالبينة، او علم الحاكم، او اليمين، او الاقرار ، فذهب جماعة الى انه ينظر و يمهل و يخلى سبيله حتى يحصل له مال، و هو مذهب المفيد و الشيخ في الخلاف و الحلي و المحقق و القواعد و المسالك و المهذب و الصيمري (37) و المعتمد و غيرهم (38) ، بل هو المشهور كما في المسالك و الكفاية و شرح القواعد للهندي (39) و المعتمد، و غيرها (40) .
للاصل، و قوله تعالى: «و ان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة » (41) ، و روايتي غياث و الاصبغ المتقدمتين (42) ، و مفهوم الحصر في صحيحة زرارة السابقة (43) .
و رواية السكوني: «ان امراة استعدت على زوجها انه لا ينفق عليها و كان زوجها معسرا فابى عليه السلام ان يحبسه، و قال: ان مع العسر يسرا» (44) .
و عن الشيخ في النهاية: انه يسلم الى الغرماء ليؤاجروه و يستعملوه و يستوفوا حقهم من ما يفضل من قوته و قوت عياله (45) ، لرواية السكوني المتقدمة في المسالة الرابعة، و وصفها في المختلف بالمشهور (46) .
و عن ابن حمزة قول ثالث، مفصل بين ما اذا كان المعسر ذا حرفة يكتسب بها فالثاني، و ما اذا لم يكن كذلك-و نفى عنه البعد في المختلف (47) -فالاول (48) ، للرواية الاخيرة، كما في المختلف، او جمعا بينها و بين الروايات السابقة (49) كما قيل، و لانه يتمكن من اداء ما وجب عليه و ايفاء الحق صاحبه فيجب عليه كالسعي في المؤنة، و حيث يتمكن من الكسب لا يكون معسرا، لتحقق اليسار بالقدرة على تحصيل المال، و لهذا الحق القادر على الكسب بالغني في باب الزكاة.
اقول: قد يخالجني-في التمسك بهذه الاخبار في تخلية سبيله حتى يستفيد مالا، و في ايجاره و استعماله-شي ء، و هو انه قد استفاضت الاخبار على ان الامام يقضي دين المديونين عن سهم الغارمين:
ففي مرسلة العباس: «الامام يقضي عن المؤمنين الديون ما خلا مهور النساء» (50) .
و في رواية ابي نجار: جعلت فداك، ان الله عز و جل يقول: «و ان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة » اخبرني عن هذه النظرة التي ذكرها الله عز و جل في كتابه، لها حد يعرف اذا صار هذا المعسر اليه لا بد من ان ينظر، و قد اخذ مال هذا الرجل و انفقه على عياله، و ليس له غلة ينتظر ادراكها، و لا دين ينتظر محله، و لا مال غائب ينتظر قدومه؟ قال: «نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره الى الامام، فيقضي ما عليه من الدين من سهم الغارمين » الحديث (51) .و غير ذلك من الاخبار (52) .
و اخبار المسالة واردة في فعل علي عليه السلام، و هو امام مبسوط اليد، بيده بيت المال و الزكوات، فكان عليه الاداء، فما التوفيق بين هذه الاخبار؟ ! و هلا يؤدي الامام ديونهم؟ ! و لا يمكن حمل اخبار المسالة على صورة عدم حضور سهم الغارمين عنده، لانه ليس قضية في واقعة، بل يصرح بانه عليه السلام كان يفعل ذلك، و هو دال على التجدد الاستمراري.
و الذي اراه ان اخبار قضاء الامام مخصوصة بمن لم يكن له طريق الى الوفاء، و لا يمكنه استفادة المال من استغلال او تكسب او عمل، كما تشعر به رواية ابي نجار، و اخبار المسالة مخصوصة بمن امكنه استفادة المال، كما يصرح به قوله: حتى يستفيد المال، و قوله: ليستعملوه، اي يطلبوا منه العمل و تكون لفظة «حتى » تعليلية، اي يخلي سبيله ليستفيد المال و يؤدي الدين.
و التوفيق بين رواية السكوني (53) و سائر روايات المسالة: ان مورد سائر الروايات انما هو ما اذا كان المديون بحيث يعلم من حاله انه يستفيد المال بنفسه من غير حاجة الى استعماله فيها و اجباره عليها، كما هو المستفاد من قوله: حتى يستفيد.و مورد رواية السكوني انما هو ما اذا لم يكن كذلك و لم يبال بعدم اداء الدين و عدم الاستفادة، اذ من الظاهر ان من يعلم من حاله انه يستفيد بنفسه لا حاجة فيه الى المؤاجرة و الاستعمال.
و بما ذكرنا يرتفع التنافي بين الاخبار طرا.
ثم نقول: ان بما ذكرنا ظهر عدم صلاحية شي ء من الاخبار لمستند المشهور، لان المشهور: انه يخلى سبيله و يترك بحاله مطلقا، سواء كان قادرا على الاستفادة-و لو بالتكسب-ام لا، و هو لا يلائم مع قوله: خلى سبيله حتى يستفيد (54) ، اي ليستفيد، فان التخلية انما كانت لذلك، و لو منعت من ارادة هذا المعنى-لاحتمال كون حتى للغاية-فنقول: باحتمال التعليلية يسقط استدلالهم.
و اما صحيحة زرارة (55) ، فلا دلالة لها اصلا، لان الظاهر المتبادر من الحبس اسجانه في سجن الامام، و اما اشتغاله بالكسب فليس حبسا قطعا.
و منه يظهر حال رواية السكوني الاخيرة.
و اما الآية الشريفة، فكما مرت اليه الاشارة لا تدل على مرادهم اصلا، لان من يقدر على استفادة المال و لو بالتكسب-الذي لم يكن شاقا عليه، بل هو حرفته و عليه معاشه-لا يصدق عليه انه ذو عسرة اصلا، لا لغة و لا عرفا.
و لو سلمنا صدقه عليه فنقول: ان الانظار المامور به هو ترك مطالبة اداء الدين حال العسرة، فاذا تركه و اخره انظره و لو امره بالتكسب و تحصيل اليسار ثم الاداء، الا ترى انه يصح ان يقال: امهله حتى يشتغل ببيع ضياعه و ياخذ ثمنه و يعطيه، فيصدق الانظار مع انه مشغول بطلب المشتري و المبايعة و اخذ الثمن.
و الحاصل: ان الانظار هو الامهال و التاخير، و يمكن ان يكون المراد امهاله في اداء الدين و تاخيره مطالبته.و اما الاصل فانما يفيد لو لم يكن دليل مخرج عنه، و لا شك ان قضاء الدين على كل متمكن منه واجب، و القادر على العمل و التكسب متمكن فيجب عليه، و لازمه وجوب العمل و الكسب من باب المقدمة، و لازمه جواز امره به و حمله عليه، بل وجوب ذلك.
و ظهر مما ذكرنا خلو المشهور عن الدليل، و كذا قول النهاية ان اراد دفعه الى الغرماء مطلقا، سواء امكنه الاستفادة بعمل ام لا، و سواء ادى ما يجب عليه بنفسه مع الامكان[ام لا (56) ]، اذ ظاهر ان الرواية مخصوصة بصورة قدرته على عمل تحصل منه اجرة و شي ء و الا فلا فائدة فيه-كشيخ هرم اعمى و مفلوج و اعرج و اشل-و بصورة عدم اشتغاله بنفسه و وفائه الدين.
و منه يظهر خلو قول ابن حمزة (57) ايضا عن الدليل لو اراد الاطلاق.
فالحق-كما هو ظاهر المحقق الاردبيلي، و صاحب الكفاية (58) ، و بعض مشايخنا المعاصرين و فضلائهم (59) -انه و ان لم يتسلط الغريم على استيفاء منافعه و اجارته ابتداء و لكن يجب على المديون المتمكن من العمل و الكسب اللائق بحاله الغير الشاق عليه الكسب.
و لو ترك هذا الواجب و توانى منه-بحيث يترتب عليه ضرر الغرماء- على الحاكم اجباره امرا بالمعروف و دفعا للضرر.
و لو راى انه لا ينجح فيه امره و جبره و اقامته على الفعل الواجب الا بالدفع الى الغرماء امكن الجواز، بل الوجوب، بل يجب ان امكن.
ا: اذا امر بالتكسب او استعمل، يوضع مما استفاده مؤنته و مؤنة عياله الواجب نفقتهم بالمعروف، و يصرف الزائد في الدين.
ب: التكسب يشمل جميع الصنائع و الحرف و الاشغال -و لو مثل الاحتطاب و الاحتشاش-اذا كان ممن يتخشى (60) منه ذلك، و يليق بشانه و حاله، و لا يعد شاقا عليه عرفا..و يقتصر في زمان التكسب بما هو متعارف سائر الناس في حرفهم و صنائهم.
ج: لو رضي الغريم بامهاله حتى يحصل له مال و عفى عن تكسبه فله ذلك.. و لو تعدد الغرماء و رضي بعضهم دون بعض يامره من لم يرض بالتكسب، و يكون جميع فاضل مؤنته مما استفاد لذلك.
د: لو ارتاب الحاكم بالمقر و شك في بلوغه، او عقله، او رشده، او اختياره، او شبه ذلك مما هو شرط في صحة اقراره، توقف في الحكم حتى يستبين حاله، و وجهه واضح.
تعليقات:
1) في «ح » : لان جوابه اما...
2) القواعد 2: 212.
3) المائدة: 47-49.
4) المفاتيح 3: 255.
5) المسالك 2: 364.
6) المبسوط 8: 118.
7) في «ح » و «ق » : توقف، و الانسب ما اثبتناه.
8) الحلية: بمعنى الصفة-مجمع البحرين 1: 105.
9) مجالس الطوسي: 532، الوسائل 18: 333 ابواب الدين و القرض ب 8 ح 4، و فيه: «لي الواجد بالدين يحل عرضه و عقوبته » .
10) الكافي 5: 102-1، التهذيب 6: 191-412، الاستبصار 3: 7-15، الوسائل 18: 416 ابواب احكام الحجر ب 6 ح 1، بتفاوت.
11) الفقيه 3: 19-43، التهذيب 6: 232-568، الوسائل 27: 247 ابواب كيفية
الحكم و احكام الدعوى ب 11 ح 1.
12) التهذيب 6: 299-833، الوسائل 18: 416 ابواب احكام الحجر ب 6 ح 1.
13) التهذيب 6: 196-433 و 299-834، الاستبصار 3: 47-156، الوسائل 18: 418 ابواب احكام الحجر ب 7 ح 1.
14) الفقيه 3: 19-43، التهذيب 6: 232-568، الوسائل 27: 247 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 11 ح 1.
15) التهذيب 6: 300-838، الاستبصار 3: 47-155، الوسائل 18: 418 ابواب احكام الحجر ب 7 ح 3.
16) الكافي 5: 55-1، التهذيب 6: 180-372، الوسائل 16: 131، ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما ب 3 ح 1.
17) التهذيب 6: 181-375، الوسائل 16: 145 ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما ب 7 ح 4.
18) الوسائل 16: 144 ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما ب 7.
19) التهذيب 6: 299-836، الاستبصار 3: 47-154، الوسائل 27: 248 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 11 ح 2.
20) آل عمران: 104.
21) الكافي 5: 59-16، التهذيب 6: 177-360، الوسائل 16: 126 ابواب الامر و النهي و ما يناسبهما ب 2 ح 1.
22) في «ح » و «ق » : على الجائر، و الصحيح ما اثبتناه.
23) عوائد الايام: 27.
24) انظر كشف اللثام 2: 336.
25) غنائم الايام: 679.
26) راجع ص 176 و 177.
27) في «ح » : لانها، و في «ق » : الا انها، و الصحيح ما اثبتناه.
28) القواعد 2: 209، التذكرة 2: 58.
29) غنائم الايام: 680.
30) الشرائع 2: 95، القواعد 2: 209، الكفاية: 267.
31) كالمسالك 2: 367.
32) انظر الرياض 2: 396.
33) التذكرة 2: 58.
34) انظر كشف اللثام 2: 337.
35) انظر الوسائل 27: 241 ابواب كيفية الحكم و احكام الدعوى ب 7.
36) ليست في «ح » .
37) المفيد في المقنعة: 723، الخلاف 1: 624، الحلي في السرائر 2: 160، المحقق في الشرائع 4: 84، القواعد 2: 209، المسالك 2: 367.
38) كما في التبصرة: 187.
39) المسالك 2: 367، الكفاية: 267، كشف اللثام 2: 336.
40) كالروضة 3: 83، الرياض 2: 396.
41) البقرة: 280.
42) في ص: 176 و 177.
43) في ص 178.
44) التهذيب 6: 299-837 و ج 7: 454-1817، الوسائل 18: 418 ابواب احكام الحجر ب 7 ح 2.
45) النهاية: 352.
46) المختلف: 711.
47) المختلف: 711.
48) الوسيلة: 212.
49) في ص: 176 و 177.
50) الكافي 5: 94-7، التهذيب 6: 184-379، الوسائل 18: 337 ابواب الدين و القرض ب 9 ح 4.
51) الكافي 5: 93-5، و فيه بدل «ابي نجار» : «ابي محمد» و كذا في التهذيب 6: 185-385 و الوسائل 18: 336 ابواب الدين و القرض ب 9 ح 3، و في الوافي 18: 789-15 عن الكافي: ابي نجاد.
52) الوسائل 18: 335 ابواب الدين و القرض ب 9.
53) المتقدمة في ص: 177.
54) راجع ص: 177.
55) المتقدمة في ص: 178.
56) اضفناه لاقتضاء السياق.
57) الوسيلة: 212.
58) الكفاية: 267.
59) انظر الرياض 2: 396، غنائم الايام: 679.
60) اي يترجى منه ذلك-ففي مجمع البحرين 1: 124 و لسان العرب 14: 228: خشيت بمعنى: رجوت.