«لَعَنَ رَسُولُ اللّه زَوّارت الْقُبُور».(1)
ولكن يجب الانتباه إلى أنّ تحريم النساء من زيارة القبور ـ استدلالا بهذا الحديث ـ غير صحيح، و ذلك لعدّة أُمور:
أوّل: إنّ كثيراً من العلماء يعتبرون هذا النهي نهيتنزيه و كراهة، و قد جاءت الكراهة لأسباب خاصّة بذلك الزمان، يشير إليها صاحب كتاب «مفتاح الحاجة في شرح صحيح ابن ماجة» فيقول:
«اختلفوا في الكراهة هل هي كراهة تحريم أو تنزيه؟ ذهب الأكثر إلى الجواز إذا أمِنَت الفتنة».(2)
ثانياً: لقد مرَّ عليك ـ في حديث عائشة ـ أنّ النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ رخصَّ في زيارة القبور.(3)
فلو كان الترخيص خاصّاً بالرجال لكان اللازم أن تذكر عائشة ذلك، خاصّة وأنّها من النساء، و من الطبيعي أنّ النساء كنَّ يتواجدن في مسجد رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكان كلّ مخاطَب يعتبر نفسه مشمولا للحكم إلاّ إذا صرَّح بالاستثناء.
ثالثاً: و قد مرَّ عليك أيضاً أنّ النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ علَّم عائشة ما ينبغي قوله عند زيارة القبور فلو كانت الزيارة محرمة عليها فما معنى هذا التعليم؟!(4) كانت عائشة تزور القبور بعد رسول اللّه. يروي الترمذي أنه لمّا مات عبدالرحمان بن أبي بكر ـ شقيق عائشة ـ في «الجُنْتى» حملوا جثمانه إلى مكّة و دفنوه فيها، و لمّا جاءت عائشة إلى
1. سنن ابن ماجة: 1/478، كتاب الجنائز الطبعة الأُولى بمصر.2. حواشي سنن ابن ماجة: 1/114، طبعة الهند.3. راجع الحديث رقم 3. 4. راجع الحديث رقم 4.