وهابیة فی المیزان

جعفر السبحانی

نسخه متنی -صفحه : 332/ 103
نمايش فراداده

سادساً: يقول القرطبي:

«لم يلعن النبىّ ـ صلّى اللّه عليه (و آله) و سلّم ـ كلّ امرأة تزور القبور، بل لَعن المرأة الّتي تزور القبور دوماً و الدليل على ذلك قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ : «زوّارت القبور» و كلمة «زوّار» هي صيغة المبالغة، و تدلّ على الكرَّة و التكرار».(1)

و لعلّ العلَّة في لعن «زوّارات القبور» هي أنّ الإكثار منها يؤدّي إلى ضياع حقّ الزوج و يجرُّها إلى التبرّج المنهيِّ عنه، و يكون مصحوباً بالبكاء بصوت عال، ولكن لوكانت الزيارة خالية عن كلّ محذور فلا إشكال فيها أبداً، لأنّ تذكّر الموت و الآخرة ممّا يحتاج إليه الرجل و المرأة على السواء.

سابعاً: إنّ زيارة القبور ـ في الوقت الّذي تؤدّي إلى الزهد في الدنيا و زخارفها ـ تعود بالنفع على الميّت الراقد تحت أكوام التراب، إذ أنّ الزيارة ـ عادة ـ تكون مقرونة بتلاوة سورة الفاتحة و إهدائها إلى روح ذلك الميّت، و هذه الهديّة هي أفضل ما يقدّمه الإنسان الحىّ إلى روح فقيده الغالي.

يروي ابن ماجة عن النبىّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أنّه قال:

«إقْرأوا «يس» عَلى مَوْتاكُمْ».(2)

فما هو الفرق بين الرجل و المرأة ـ من هذه الجهة ـ حتّى تكون زيارة أحدهما جائزة و الأُخرى محرَّمة، لو لا المحذورات الخاصّة المذكورة؟!

و الآن... و بعد أن ثبت جواز زيارة القبور، جاء دور التحدّث عن الآثار الحسنة و النتائج الإيجابية لزيارة مراقد أولياء اللّه الصالحين، و ذلك في الفصل القادم.

1. جاء في سنن أبي داود: «زائرات» بَدل «زوّارات».2. سنن ابن ماجة: حديث 1448.