ثالثاً: إنّ المسلمين ـ منذ ذلك اليوم ـ فهموا من هذه الآية معنى مطلقاً لا ينتهي بموت رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حتّى أنّ بعض الأعراب ـ بوحي من أذهانهم الخالصة من كلّ شائبة ـ كانوا يقصدون قبر رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ و يزورونه و يتلون آية:(ولو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءُوك....)عند قبره المقدَّس و يطلبون منه الاستغفار لهم.
و قد ذكر تقىّ الدين السبكي في كتاب «شفاء السقام» و السمهودي في كتاب «وفاء الوفا» نماذج من زيارة المسلمين لقبر رسول اللّه و تلاوة هذه الآية عند قبره الشريف، و فيما يلي نذكر بعض تلك النماذج:
روى سفيان بن عنبر عن العتبي ـ و كلاهما من مشايخ الشافعي و أساتذته ـ أنّه قال: كنتُ جالساً عند قبر رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فجاء أعرابي فقال:
«السَّلامُ عَلَيْكَ يا رَسولَ اللّه، سَمِعْتُ اللّه يَقُولُ: (وَ لَوْ أنَّهُمْ إذْ ظَلَمُوا أنْفُسَهُمْ جاءُوكَ فَاستَغْفَرُوا اللّهَ و اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللّهَ تَوّاباً رَحيماً) وَ قَدْ جِئْتُكَ مُسْتَغْفِراً مِنْ ذَنْبي، مُسْتَشْفِعاً بِكَ إلى رَبّي».
ثم بكى و أنشأ يقول:
ثم استغفر و انصرف. (1)
1. وفاء الوفا: 4/1361; الدرر السّنيّة; لأحمد دحلان ; 21.