يقول شارح صحيح مسلم ـ في شرح هذا الحديث ـ :
«أمّا البناء فإن كان في ملك الباني فمكروه، و إن كان في مقبرة مُسْبَلة (1) فحرام، نصَّ عليه الشافعي و الأصحاب».(2)
و ممّا لا يحتاج إلى بيان هو أنّ الشيء المكروه قد ترتفع كراهيّته بالنظر إلى بعض الأُمور الأُخرى، فمثلا: إذا صار البناء على القبر سبباً لحفظ أصالة الإسلام و إظهار المودَّة لصاحب ذلك القبر الّذي فَرَض اللّه تعالى محبّته و مودّته أو يكون سبباً لصيانة الشعائر الإسلامية أو يؤدّي إلى تجمّع الزوّار ـ تحت البناء ـ لتلاوة القرآن و الدعاء، فبالقطع و اليقين أنّ الكراهة لا ترتفع فحسب، بل يكون ذلك أمراً مستحبّاً محبوباً مطلوباً مرغوباً فيه.
إنّ ممّا لا شكّ فيه: أنّ الحكم المكروه أو المستحب قد يتغيَّر بسبب عناوين وعوامل أُخرى، فكم من المكروهات الّتي ينتقل حكمها إلى الاستحباب لعوامل خاصّة، و كم من المستحبّات الّتي تنقلب مرجوحة لنفس السبب، ذلك لأنّ استحباب الشيء و كراهيَّته ليس معناه إلاّ المقتضي للمحبوبيّة أو المرجوحيَّة، و هذه المقتضيات تكون نافذة مع عدم المانع من الاقتضاء والتأثير، فمثلا: النار تقتضي الإحراق بشرط أن لا يكون الحطب رطباً، و الدواء يقتضي برء المريض بشرط عدم المانع، و هذه بحوث واضحة لمن له إلمام بالفقه الإسلامي.
1. مُسْبَلة: موقوفة في سبيل اللّه تعالى.2. هامش صحيح مسلم: 3/62، طبعة مصر.