فشلت جميع محاولات المصالحة بين عثمان والمعارضين; لأنّهم أصرّوا على تسليم مروان وأصرّ هو على عدم تسليمه ، وبدأ الحصار ليستمرّ أربعين يوماً ، وفي مدّة الحصار حاول الإمام(عليه السلام) تهدئة الأوضاع إلاّ أنّ الظروف لم تساعده ، و استمرّ(عليه السلام) على نهجه في تهدئة الأوضاع وإخماد الفتنة .
فقد وردت الأخبار أنّ عثمان اشتكى من موقف طلحة ، فتوجّه الإمام(عليه السلام) إلى طلحة وقال له : «يا طلحة ما هذا الأمر الذي وقعت فيه؟» . فقال : «يا أبا الحسن بعدما مسّ الحزام الطبِّيين» .
فانصرف الإمام (عليه السلام) حتّى أتى بيت المال ، فقال : افتحوه ، فلم يجدوا المفاتيح ، فكسر الباب وأعطى الناس ، فانصرفوا من عند طلحة حتّى بقي وحده ، وسرّ بذلك عثمان57 .
وحينما اشتدّ الحصار نصح الإمام(عليه السلام) المعارضين بعدم قطع الماء عنه ، فلم يستجيبوا له ، فبعث إليه ثلاث قرب مملوءة بالماء58 .
وبعث إليه عثمان فأتاه ، فتعلّق به المعارضون ومنعوه ، فحلّ عمامة سوداء على رأسه ورماها داخل بيت عثمان ليعلمه وقال : «اللّهم لا أرضى قتله . . . والله لا أرضى قتله»59 .
وحينما أصبح الحصار أشدّ وطأة خرج الإمام(عليه السلام) ومعه الحسن والحسين(عليهما السلام)فحملوا على المعارضين وفرّقوهم ثمّ دخلوا على عثمان ، فأعفاهم عثمان من الدفاع عنه ، فخرج الإمام(عليه السلام) وهو يقول : «اللّهم إنّك تعلم أنّا قد بذلنا المجهود»60 .
وأرسل الإمام(عليه السلام) ولديه في الدفاع عنه ، فمنعوا المعارضين من الدخول إلى منزله ، وقد أصابت الحسن(عليه السلام) عدّة جراحات في الدفاع عنه61 .
وكان الإمام(عليه السلام) من أشدّ المدافعين عن عثمان كما اعترف مروان بقوله للإمام زين العابدين(عليه السلام) : «ما كان في القوم أدفع عن صاحبنا من صاحبكم» .
قال له الإمام(عليه السلام) : «فما بالكم تسبّونه على المنابر؟» .
قال : «إنّه لا يستقيم لنا الأمر إلاّ بذلك!!»62 .