فإنهم قالوا في قوله ( كأنهم لا يعلمون ) إنها في موضع الحال تقديره مشبهين بمن لا يعلم ومثله أيضا قوله ( ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ) وقد صرح الزمخشري في الكشاف بأن قوله تعالى ( فيه هدى ونور ) جمله حالية من الانجيل في قوله ( وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ) وكذلك قوله تعالى قبل هذه الآية ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) ولا واو فيها وقال الشاعر ( فلولا جنان الليل ما آب عامر إلى جعفر سرباله لم يمزق ) فكل هذه الشواهد ترد كونه شاذا أو ضعيفا كما قال ابن الحاجب فإنه قال وتكون جملة خبرية فالاسمية بالواو والضمير أو بالواو أو بالضمير على ضعف فجعل الاقتصار على كل واحد من الواو والضمير دون الآخر ضعيفا وقد بينا ما يتعلق بالاقتصار على الضمير دون الواو وأنه غير ضعيف ولا شاذ ومنه قوله تعالى ( وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ) وما رواه سيبويه من قولهم كلمته فوه إلى في ورجع عوده على بدئه بالرفع ولقيته عليه جبة وشي وما قدره الزمخشري من الاستقرار فلا حاجة إليه وقول بشار ( إذا أنكرتني بلذة أو نكرتها خرجت مع البازي علي سواد ) بمعنى علي بقية من الليل وقول أمية بن أبي الصلت ( فاشرب هنيئا عليك التاج مرتفقا في رأس غمدان دارا منك محلالا ) وقول الآخر ( وقد صبرت للذل أعواد منبر تقوم عليه في يديك قضيب ) وأنشد الجرجاني منه أيضا قول الشاعر ( إذا أتيت أبا مروان تسأله وجدته حاضراه الجود والكرم ) وجعل وجدت هنا ليست المتعدية إلى مفعولين بل بمعنى أصبت تتعدى إلى مفعول واحد فقوله حاضراه الجود والكرم جملة حالية وليس فيها واو فكل هذه الشواهد تمنع الضعف والشذوذ وكذلك الاقتصار على الواو دون الضمير فقد تقدم قوله تعالى ( وطائفة قد أهمتهم أنفسهم ) وكذلك قوله تعالى ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) وقال امرؤ القيس ( وقد أغتدي والطير في وكناتها بمنجرد قيد الأوابد هيكل ) وقال الآخر أنشده ابن مالك سرينا ونجم قد أضاء فمذ بدا محياك أخفى ضوؤه كل شارق ) وكذلك البيت المتقدم ( ذكرتك والخطي يخطر بيننا ) فاكتفى فيها رابطا بالواو عن الضمير كما أشرنا إليه والله أعلم
تقرر أن الجملة الاسمية إذا وقعت حالا فإنها تكون تارة بالواو وتارة بالضمير وإن كان الأكثر الجمع بينهما وقد ذكر الجرجاني أن المبتدأ من الجملة متى كان ضمير ذي الحال لم تصلح بغير الواو البتة كقولك جاءني زيد وهو راكب ورأيته وهو جالس ولو جئت بها بغير الواو لم يكن كلاما