تَطلُبوها بِدينٍ ؛ فَإِنَّ الدّينَ لي وَحدي خالِصاً ، وَيلٌ لِمَن طَلَبَ بِالدّينِ الدُّنيا !
وَيلٌ لَهُ !![127]
473 . الإمام عليّ عليه السّلام : لا يَكونُ العالِمُ عالِماً حَتّى . . . لا يَأخُذَ عَلى عِلمِهِ شَيئاً مِن حُطامِ الدُّنيا .[128]
474 . الإمام زين العابدين عليه السّلام : مَن كَتَمَ عِلماً أحَداً ، أو أخَذَ عَلَيهِ أجراً رِفداً ، فَلا يَنفَعُهُ أبَداً .[129]
475 . الإمام الصادق عليه السّلام : مَنِ احتاجَ النّاسُ إلَيهِ لِيُفَقِّهَهُم في دينِهِم ، فَيَسأَلُهُمُ الاُجرَةَ ، كانَ حَقيقاً عَلَى اللهِ تَعالى أن يُدخِلَهُ نارَ جَهَنَّمَ .[130]
راجع :ص 36 : «حقوق المبلّغ» .
مرّ علينا في ما سبق أنّ سيرة الأنبياء كانت تقوم على مبدأ عدم طلب الأجر على تبليغ الرسالة ؛ فقد أعلنوا مرّات وكرّات بأنّهم لا يتقاضون من الناس أجراً في مقابل الجهود التي يبذلونها في إبلاغ رسالات الله . وأعلن أوّل أنبياء اُولي العزم نوح عليه السّلام صراحةً أنّه يقدّم هذه الخدمة للمجتمع بالمجّان . وسار على النهج نفسه الأنبياء الآخرون ؛ كهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب عليهم السّلام . أمّا الملاحظة الجديرة بالتأمّل في هذا المجال فهي أنّ رسول الله صلّى الله عليه و آله اُمر من قِبل الله جلّ جلاله أن يعلن للاُمّة : لآ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا . . . .[131]
ويوضّحَ بأمر الله الحكمة من هذا الطلب بقوله : قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ . . . .[132]
بمعنى أنّني لا اُريد منكم شيئاً في مقابل إبلاغ رسالة الله ، وأنا أيضاً كسائر الأنبياء أخدم الناس بلا أجر ولا منّة ، وما اُسمّيه أجراً ليس فيه ضمان لمصلحتي وإنّما هو ضمان لمصالحكم ، وقصدت من هذا التعبير العاطفي الرقيق حثّكم على حفظه ؛ لكي لا تنحرفوا من بعدي عن الصراط المستقيم .
وأبدى مزيداً من التوضيح بهذا الصدد قائلاً : قُلْ مَآ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ . . . .[133]
وعلى هذا الأساس ، فإنّ ما طلبه رسول الإسلام صلّى الله عليه و آله كأجر على إبلاغ الرسالة إنّما هو دعوة الناس إلى السير على طريق الله ، الذي هو طريق القيم الدينيّة والتكامل المعنوي والمادّي للإنسان ، والذي يتجسّد في القيادة الربّانيّة ، وأهل بيت الرسول صلّى الله عليه و آله الذين هم أكمل مصاديق القادة الربّانيّين .[134]
في ضوء هذه المقدّمة التي أوردناها في ما يخصّ التبليغ ، تُثار التساؤلات التالية :
1 . ما هي الحكمة الكامنة وراء تأكيد الأنبياء عليهم السّلام على عدم قبول أجرٍ لقاء إبلاغ الرسالة ؟
وفي ضوء ما مرّ علينا من سيرة الأنبياء عليهم السّلام ، هل يمكن للمبلّغين ـ الذين هم ورثتهم ـ أن يطلبوا من الناس أجراً لقاء التبليغ ؟
2 . ما حكم أخذ الأجر على التبليغ من دون طلبه ؟
3 . مع افتراض كون التبليغ مجّانياً ، فكيف يمكن توفير الحاجات الاقتصاديّة للمبلّغ ؟
لغرض تقديم إجابة على السؤال الأوّل ، وفهم الحكمة الكامنة وراء تأكيد الأنبياء على مجّانيّة التبليغ ، يكفي أن نلقي نظرة على الانعكاسات السلبيّة لطلب الأجر في مقابل التبليغ :
أوّل ركن أخلاقي لتبليغ الدين هو الإخلاص ، وهذا الركن يتزعزع بسبب طلب الأجر في مقابل التبليغ ، ويصبح المبلّغ مصداقاً لمن يصفهم الإمام عليّ عليه السّلام بقوله : «يَطلُبُ الدُّنيا بِعَمَلِ الآخِرَةَ ، ولا يَطلُبُ الآخِرَةَ بِعَمَلِ الدُّنيا» .[135]
وهكذا ، فإنّ من كان يستطيع تحويل شؤونه الدنيويّة إلى عمل اُخروي ضمن دوافع إلهيّة خالصة[136] ،