تفسير البغوي (جزء 3)

حسین بن مسعود بغوی؛ محقق: خالد عبد الرحمان عک

نسخه متنی -صفحه : 574/ 292
نمايش فراداده

سورة الحج من الآية 52 وحتى الآية 53

نفسه ويتمناه تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى فلما سمعت قريش ذلك فرحوا به ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخر السورة فسجد المسلمون بسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد إلا الوليد بن المغيرة وأبو أحيحة سعيد بن العاص فإنهما أخذا حفنة من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا من ذكر آلهتهم ويقولون قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر وقالوا قد عرفنا أن الله يحيي ويميت ويخلق ويرزق ولكن آلهتنا هذه تشفع لنا عنده فإن جعل لها محمد نصيبا فنحن معه فلما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد ماذا صنعت لقد تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله عز وجل فحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا وخاف من الله خوفا كثيرا فأنزل الله هذه الآية يعزيه وكان به رحيما وسمع بذلك من كان بأرض الحبشة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وبلغهم سجود قريش وقيل أسلمت قريش وأهل مكة فرجع أكثرهم إلى عشائرهم وقالوا هم أحب إلينا حتى إذا دنوا من مكة بلغهم أن الذي كانوا يحدثونه من إسلام أهل مكة كان باطلا فلم يدخل أحد إلا بجوار أو مستخفيا فلما نزلت هذه الآية قالت قريش ندم محمد على ما ذكر من منزلة آلهتنا عند الله فغير ذلك وكان الحرفان اللذان ألقى الشيطان على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وقعا في فم كل مشرك فازدادوا شرا إلى ما كانوا عليه وشدة على من أسلم قال الله تعالى (وما أرسلنا من قبلك من رسول) وهو الذي يأتيه جبريل بالوحي عيانا ولا نبي وهو الذي يكون نبوته إلهاما أو مناما وكل رسول نبي وليس كل نبي رسولا إلا إذا تمنى قال بعضهم أي أحب شيئا واشتهاه وحدث به نفسه مما لم يؤمر به ألقى الشيطان في أمنيته يعني مراده وعن ابن عباس قال إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه ما وجد إليه سبيلا وما من نبي إلا تمنى أن يؤمن به قومه ولم يتمنى ذلك نبي إلا ألقى الشيطان عليه ما يرضى به قومه فينسخ الله ما يلقي الشيطان وأكثر المفسرين قالوا معنى قوله (تمنى) يعني تلا وقرأ كتاب الله تعالى ألقى الشيطان في أمنيته يعني في تلاوته قال الشاعر في عثمان حين قتل (تمنى كتاب الله أول ليلة وآخرها لاقى حمام المقادر) واختلفوا في أنه هل كان يقرأ في الصلاة أو في غير الصلاة فقال قوم كان يقرأ في الصلاة وقال قوم كان يقرأ في غير الصلاة فإن قيل كيف يجوز الغلط في التلاوة على النبي صلى الله عليه وسلم وكان معصوما من الغلط في أصل الدين وقال جل ذكره في القرآن (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) يعني إبليس قيل