أحكام القرآن (جزء 4)

محمد بن عبدالله ابن عربی؛ محقق: محمد عبدالقادر احمد عطا

نسخه متنی -صفحه : 430/ 300
نمايش فراداده

في قول على اختلاف في أيها أفضل حسبما بيناه في مسائل الخلاف فقد ثبت عن النبي أنه قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام واختلف في هذا الاستثناء هل هو على تفضيل المفضل أو احتماله فمنهم من قال إنه مفضل بتفضيل المسجد الحرام على مسجد المدينة ومنهم من قال إنه محتمل وهو الصحيح لأن كل تأويل تضمن فيه مقدارا يجوز تقديره على خلافه على أنه قد روي من طريق لا بأس بها أن النبي قال صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام فإن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي ولو صح هذا لكان نصا

المسألة الثانية

المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا فإنها قد نسبت إلى غيره تعريفا فيقال مسجد فلان وفي صحيح الحديث أن النبي سابق بين الخيل التي أضمرت من الحيفاء وأمدها ثنية الوداع وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق وتكون هذه الإضافة بحكم المحلية كأنها في قبلتهم وقد تكون بتحبيسهم فإن الأرض لله ملكا ثم يخص بها من يشاء فيردها إليه ويعينها لعبادته فينفذ ذلك بحكمه ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك

المسألة الثالثة

إذا تعينت لله أصلا وعينت له عقدا فصارت عتيقة عن التملك مشتركة بين الخليقة في العبادة فإنه يجوز اتخاذ الأبواب لها ووضع الأغلاق عليها من باب الصيانة لها فهذه الكعبة بأبوابها وكذلك أدركنا المساجد الكريمة وفي البخاري مدرجا وفي كتاب أبي داود مسندا كانت الكلاب تقبل وتدبر وتبول في المسجد فلا يرشون ذلك وهذا لأنه لم يكن للمسجد حينئذ باب ثم وروي أنه كان يصلي بعد العشاء ركعتين ويصلي من الليل تسعا منها الوتر وكان ينام أول الليل ويحيي آخره وما ألفاه السحر إلا عند أهله قائما وكان يوتر في آخر الليل حتى انتهى وتره إلى السحر وما قرأ القرآن كله قط في ليلة ولا صلى ليلة إلى الصبح وكان إذا فاته قيام الليل من وجع أو غيره صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة وكان يقول الوتر ركعة من آخر الليل ويقول أوتروا قبل أن تصبحوا وقال صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل وهذا كله صحيح في الصحيح وقد بينا في شرح الحديث الجمع بين اختلاف الروايات في عدد صلاته فإنه كان يصلي إحدى عشرة ركعة وهي كانت وظيفته الدائمة وكان يفتتح صلاة الليل بركعتين خفيفتين فهذه ثلاث عشرة ركعة وكان يصلي إذا طلع الفجر ركعتين ثم يخرج إلى صلاة الصبح فهذا تأويل قول من روى أنه كان يصلي خمس عشرة ركعة وقد روت عائشة في الصحيح أن النبي كان يصلي تسع ركعات فيها الوتر ولعل ذلك كان حين ضعف وأسن وحطمه البأس أو كان لألم والله أعلم