(قال ذلك) أي: تملص الحوت واتخاذه سبيله الذي كان عليه في جبلته (ما كنا) نطلبه، لأن هناك مجمع البحرين الذي وعد موسى عنده بوجود من هو أعلم منه، إذ الترقي إلى الكمال بمتابعة العقل القدسي لا يكون إلا في هذا المقام (فارتدا على آثارهما) في الترقي إلى مقام الفطرة الأولى كما كانا أولا يقصان (قصصا) أي: يتبعان آثارهما عند الهبوط في الترقي إلى الكمال حتى وجد العقل القدسي، وهو عبد من عباد الله مخصوص بمزية عناية ورحمة (آتيناه رحمة من عندنا) أي: كمالا معنويا بالتجرد عن المواد والتقدس عن الجهات.
والنورية المحضة التي هي آثار القرب والعندية (وعلمناه من لدنا علما) من المعارف القدسية والحقائق الكلية اللدنية بلا واسطة تعليم بشري. وقوله: (هل أتبعك) هو ظهور إرادة السلوك والترقي إلى الكمال (إنك لن تستطيع معي صبرا) لكونك غير مطلع على الأمور الغيبية والحقائق المعنوية لعدم تجردك واحتجابك بالبدن وغواشيه، فلا تطيق مرافقتي، وهذا معنى قوله: (وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا) لقوة استعدادي وثباتي على الطلب (ولا أعصي لك أمرا) لتوجهي نحوك وقبولي أمرك، لصفاتي وصدق إرادتي. والمقاولات كلها بلسان الحال.
(فإن اتبعتني) في سلوك طريق الكمال (فلا تسألني عن شيء) أي: عليك بالاقتداء والمتابعة في السير بالأعمال والرياضات والأخلاق والمجاهدات، ولا تطلب الحقائق والمعاني (حتى) يأتي وقته، ف (أحدث لك منه) أي: من ذلك العلم (ذكرا) وأخبرك بالحقائق الغيبية عند تجردك بالمعاملات القالبية والقلبية (فانطلقا حتى إذا ركبا) في سفينة البدن البالغ إلى حد الرياضة الصالح للعبودية إلى العالم القدسي في بحر الهيولى للسير إلى الله (خرقها) أي: نقصها بالرياضة وتقليل الطعام وأضعف احكامها وأوقع الخلل في نظامها وأوهنها (قال أخرقتها لتغرق أهلها) أي: أكسرتها لتغرق القوى الحيوانية والنباتية التي فيها في بحر الهيولى فتهلك (لقد جئت شيئا إمرا) وهذا الإنكار عبارة عن ظهور النفس بصفاتها وميل القلب إليها، والتضجر عن حرمان الحظوظ في الرياضة، وعدم القناعة بالحقوق.
(قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا) تنبيه روحي وتحريض قدسي على أن العزيمة في السلوك يجب أن تكون أقوى من ذلك (قال لا تؤاخذني بما نسيت) إلى آخره، اعتذاره في مقام النفس اللوامة.