تفسير سورة الكهف من آية 74 إلى آية 78
(فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما) هو النفس التي تظهر بصفاتها فتحجب القلبفتكون أمارة بالسوء. وقتله بإماتة الغضب والشهوة وسائر الصفات (أقتلت نفسا زكية)
اعتراض لتحنن القلب على النفس و (ألم أقل لك) تذكير وتعبير روحي و (إن
سألتك عن شيء) إلى آخره، اعتذار وإقرار بالذنب واعتراف، وكلها من التلوينات
عند كون النفس لوامة.(فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية) هم القوى البدنية، واستطعامهما منهم هو
طلب الغذاء الروحاني منهم، أي: بواسطتهم كانتزاع المعاني الكلية من مدركاتها
الجزئية وإنما أبوا أن يضيفوهما وإن أطعموهما قبل ذلك لأن غذاءهما حينئذ كان من
فوقهم من الأنوار القدسية والتجليات الجمالية والجلالية والمعارف الإلهية والمعاني
الغيبية لا من تحت أرجلهم كما كان قبل خرق السفينة، وقتل الغلام بالرياضة والقوى
والحواس مانعة من ذلك لا ممدة، بل لا تتهيأ إلا بعد نعاسهم وهدوهم كما قال
موسى لأهله: امكثوا.
والجدار الذي (يريد أن ينقض) هو النفس المطمئنة وإنما عبر
عنها بالجدار لأنها حدثت بعد قتل النفس الأمارة وموتها بالرياضة، فصارت كالجماد
غير متحركة بنفسها وإرادتها، ولشدة ضعفها كادت تهلك، فعبر عن حالها بإرادة
الانقضاض. وإقامته إياها تعديلها بالكمالات الخلقية والفضائل الجملية بنور القوة
النطقية حتى قامت الفضائل مقام صفاتها من الرذائل.
وقول موسى عليه السلام: (لو شئت لاتخذت عليه أجرا) تلوين قلبي لا نفسي، وهو طلب الأجر والثواب باكتساب
الفضائل واستعمال الرياضة، ولهذا أجابه بقوله:
(هذا فراق بيني وبينك) أي: هذا هو مفارقة مقامي ومقامك ومباينتهما والفرق
بين حالي وحالك، فإن عمارة النفس بالرياضة والتخلق بالأخلاق الحميدة ليست لتوقع
الثواب والأجر وإلا فليست فضائل ولا كمالات لأن الفضيلة هي التخلق بالأخلاق
الإلهية بحيث تصدر عن صاحبها الأفعال المقصودة لذاتها لا لغرض.
وما كان لغرض
فهو حجاب ورذيلة لا فضيلة والمقصود هو طرح الحجاب وانكشاف غطاء صفات
النفس، والبروز إلى عالم النور لتلقي المعاني الغيبية بل الاتصاف بالصفات الإلهية بل
التحقق بالله بعد الفناء فيه لا الثواب كما زعمت (سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا) أي: لما اطمأنت النفس واستقرت القوى أمكنك قبول المعاني وتلقي الغيب
الذي نهيتك عن السؤال عنه حتى أحدث لك منه ذكرا فسأذكر لك وأنبئك بتأويل هذه
الأمور إذا استعددت لقبول المعاني والمعارف.