آية 60
(وإذ استسقى موسى) طلب نزول أمطار العلوم والحكم والمعاني من سماءالروح، فأمرناه بضرب عصا النفس التي يتوكأ عليها في تعلقه بالبدن وثباته على أرضه
بالفكر على حجر الدماغ الذي هو منشأ العقل (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) من
مياه العلوم على عدد المشاعر الإنسانية التي هي الحواس الخمس الظاهرة، والخمس
الباطنة، والعاقلة النظرية والعملية. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم والسلام: (من فقد حسا فقد
فقد علما). (قد علم كل أناس مشربهم) أي: أهل كل علم مشربهم من ذلك العلم،
كأهل الصناعات، والعلماء العاملين من مشرب العقل العملي، والحكماء والعارفين من
النظري والصباغين من علم الألوان المبصرة، وأهل صناعة الموسيقى من علم
الأصوات وغير ذلك. وعلى التأويل الثاني: أمرنا موسى القلب، بضرب عصا النفس
على حجر الدماغ، (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) هي المشاعر المذكورة التي
تختص كل واحدة منها بقوة من القوى الاثنتي عشرة المذكورة التي هي أسباط يعقوب
الروح، قد علم كل منها مشربه (كلوا واشربوا من رزق الله) أي: انتفعوا بما رزقكم
الله من العلم والعمل والأحوال والمقامات. (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) ولا
تبالغوا في الفساد بالجهل.
آية 61
(لن نصبر على طعام واحد) أي: الغذاء الروحاني من العلم والمعرفة والحكمة(فادع لنا ربك) أي: اسأل لنا ربك يوسع علينا، ويرخص لنا فيما تنبته أرض نفوسنا
من الشهوات الخبيثة واللذات الخسيسة والتفكهات الباردة وكل ما فيه لاحظ
النفس
وعذابها. (اهبطوا مصرا) أي: مدينة البدن (فإن لكم) فيها (ما سألتم وضربت عليهم الذلة) اللازمة لاتباع الشهوات والحرص في المقتنيات (والمسكنة) أي: دوام
الاحتياج ودوام سكنى الجهة السفلية (وباؤوا) واستحقوا (بغضب) البعد والطرد
(من الله ذلك) باحتجابهم عن آيات الله وتجلياته، والباقي ظاهر. وعلى الوجه
الثاني: وبقتلهم أنبياء القلوب بغير أمر ثابت لهم عليهم يتوجه به ذلك بل بصرف
باطلهم ذلك بعصيانهم أوامر القلوب والعقول واعتدائهم عن ظهورهم.