(ولئن اتبعت
أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم) أي: من علم التوحيد والمعرفة (ما لك من الله
من ولي ولا نصير) لامتناع وجود غيره.(وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات) أي: بمراتب الروحانيات، كالقلب والسر
والروح والخفاء والوحدة والأحوال والمقامات، التي يعبر بها على تلك المراتب
كالتسليم والتوكل والرضا وعلومها (فأتمهن) بالسلوك إلى الله وفي الله حتى الفناء
(قال إني جاعلك للناس إماما) بالبقاء بعد الفناء، والرجوع إلى الخلق من الحق
تؤمهم وتهديهم سلوك سبيلي ويقتدون بك فيهتدون. (قال ومن ذريتي) أي: واجعل
بعض ذريتي أيضا إماما (قال) قد يكون منهم ظالمون (ولا ينال عهدي) إياهم،
أي: لا يكونون خلفائي ولا أعهد إلى الظالمين بالإمامة.
آية 125
(وإذ جعلنا البيت) (القلب) (مثابة) أي: مرجعا ومبوأ (للناس وأمنا) ومحلأمن أو سبب أمن وسلامة لهم يأمنون بالوصول إليه والسكون فيه شر غوائل صفات
النفس وفتك فتاك القوى الطبيعية وإفسادها، وتخييل شياطين الوهم والخيال، وإغوائهم
ومكائدهم (واتخذوا من مقام إبراهيم) الذي هو ومقام الروح مقام الخلة (مصلى)
موطنا للصلاة الحقيقية التي هي المشاهدة والمواصلة الإلهية والخلة الذوقية (وعهدنا
إلى إبراهيم وإسماعيل) أمرناهما بتطهير بيت القلب من قاذورات أحاديث النفس،
ونجاسات وساوس الشيطان، وأرجاس دواعي الهوى، وأدناس صفات القوى
(للطائفين) أي: للسالكين المشتاقين الذين يدورون حول القلب في سيرهم
(والعاكفين) الواصلين إلى مقام القلب بالتوكل الذي هو توحيد الأفعال المقيمين فيه
بلا تلوينات النفس وإزعاجها منه (والركع) أي: الخاضعين الذين بلغوا إلى مقام
تجلي الصفات، وكمال مرتبة الرضا والسجود الفانين في الوحدة.
آية 126
(وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا) الصدر الذي هو حرم القلب (بلدا آمنا) مناستيلاء صفات النفس واغتيال العدو اللعين، وتخطف جن القوى البدنية أهله (وارزق
أهله) من ثمرات معارف الروح أو حكمه وأنواره (من آمن منهم بالله واليوم الآخر)
من وحد الله منهم وعلم المعاد (قال ومن كفر) أي: ومن احتجب أيضا من الذين