وقال لعيسى: (إني متوفيك) أي: قابضك إلي من بينهم
(ورافعك إلي) أي: إلى سماء الروح في جواري (ومطهرك من) رجز جوار (الذين
كفروا) من القوى الخبيثة ومكرهم وخبث صحبتهم (وجاعل الذين اتبعوك) من
الروحانيين (فوق الذين كفروا) من النفسانيات إلى يوم القيامة الكبرى والوصول إلى
مقام الوحدة (ثم) (يومئذ) (إلي مرجعكم فأحكم بينكم) (بالحق) (فيما كنتم فيه
تختلفون) قبل الوحدة من التجاذب والتنازع الواقع من القوى. فأقر كلا في مقره هناك
وأعطيه ما يليق به من عندي فيرتفع التخالف والتنازع.
تفسير سورة آل عمران من آية 56 إلى آية 58
(فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا) بالحرمان عن مقام القلب،والاحتجاب بهيئات أعمالهم (وأما الذين آمنوا) من الروحانيات (وعملوا الصالحات)
من أنواع التزكية والتحلية والتصفية في إعانة القلب على النفس ومتابعته في التوجه إلى
الحق (فيوفيهم أجورهم) من الأنوار القدسية والإشراقات الروحية عليهم (والله لا
يحب) الذين ينقصون الأجور من الحقوق.وأما التأويل بغير التطبيق، فهو أنهم مكروا ببعث من يغتال عيسى عليه السلام،
فشبه لهم صورة جسدانية هي مظهر عيسى روح الله عليه السلام بصورة حقيقة عيسى،
فظنوها عيسى فقتلوها وصلبوها، والله رفع عيسى عليه السلام إلى السماء الرابعة لكون
روحه عليه السلام فائضا من روحانية الشمس، ولم يعلموا لجهالتهم أن روح الله لا
يمكن قتله. ولما تيقن حاله قبل الرفع قال لأصحابه: '' إني ذاهب إلى أبي وأبيكم
السماوي ''، أي: أتطهر من عالم الرجس، وأتصل بروح القدس الواهب الصور،
المفيض للأرواح والكمالات، المربي للناس بالنفث في الروح، فأمدكم من فيضه.وكان إذ ذاك لا تقبل دعوته ولا يتبع مثله، فأمر الحواريين بالتفرق بعده في البلاد
والدعوة إلى الحق، فقالوا: كيف ذاك إذا لم تكن معنا؟ والآن أنت بين أظهرنا ولا
تجاب دعوتنا؟ قال: '' علامة إمدادي إياكم قبول الخلق دعوتكم بعدي ''. فلما رفع لم
يدع أصحابه أحدا إلا أجابهم، وظهر لهم القبول في الخلق، وعلت كلمتهم، وانتشر
دينهم في أقطار الأرض.