وقوله: (ما يعلمهم إلا قليل) بعده، يدل على أن العدد هو
سبعة لا غير، فالقليل هم المحققون القائلون به وإن أولناهم بالقوى الروحانية فهم
العاقلتان: النظرية والعملية، والفكر والوهم، والتخيل والذكر، والحس المشترك
المسمى بنطاسيا، والكلب النفس والشمس والروح على كلا التأويلين. ولهذا روي عن
أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: '' إنهم كانوا سبعة، ثلاثة عن يمين الملك وثلاثة
عن يساره، والسابع هو الراعي صاحب الكلب ''، فإن صحت الرواية فالملك هو
دقيانوس النفس الأمارة، والثلاثة الذين كانوا عن يمينه يستشيرهم هم العاقلتان والفكر،
والثلاثة الذين كانوا عن يساره يستوزرهم هم التخيل والوهم والذكر، والراعي هو
بنطاسيا صاحب أغنام الحواس، والذين قالوا هم ثلاثة أرادوا القلب والعاقلتين،
والذين قالوا خمسة زادوا عليهم الفكر والوهم وتركوا المدرك للصور والذكر لعدم
تصرفهما وكون كل منهما كالخزانة.
وعلى هذا التأويل فالاطلاع للفئة المحققين من
الحضرة الإلهية على بقاء النفس بعد خراب البدن، والتنازع، هو التجاذب والتغالب
الواقع بين القوى في الاستيلاء على البدن الذي يبعثون فيه وهو البنيان المأمور ببنائه
والآمرون هم الغالبون الذين قالوا: (لنتخذن عليهم مسجدا) [الكهف، الآية: 21]
يسجد، أي: ينقاد فيه جميع القوى الحيوانية والطبيعية والنفسانية والمأمورون هم
المغلوبون الفاعلون في البدن المبعوث فيه والله أعلم.
تفسير سورة الكهف من آية 23 إلى آية 24
(ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك) أدبه بالتأديب الإلهي بعدما نهاه عن المماراةوالسؤال، فقال: '' لا تقولن إلا وقت أن يشاء الله '' بأن يأذن لك في القول فتكون قائلا
به وبمشيئته أو إلا بمشيئته على أنه حال، أي: ملتبسا بمشيئته، يعني: لا تقولن لما
عزمت عليه من فعل إني فاعل ذلك في الزمان المستقبل إلا ملتبسا بمشيئة الله، قائلا:
إن شاء الله، أي: لا تسند الفعل إلى إرادتك بل إلى إرادة الله، فتكون فاعلا به
وبمشيئته (واذكر ربك) بالرجوع إليه والحضور (إذا نسيت) بالغفلة عند ظهور النفس
والتلوين بظهور صفاتها (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا) أي: من الذكر
عند التلوين وإسناد الفعل إلى صفاته بالتمكين والشهود الذاتي المخلص عن حجب
الصفات (رشدا) استقامة، وهو التمكين في الشهود الذاتي.