تفسير سورة هود من آية 45 إلى آية 49
(ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي) حمله شفقة الأبوة وتعطف الرحموالقرابة على طلب نجاته لشدة تعلقه به واهتمامه بأمره، وراعى مع ذلك أدب الحضرة
وحسن السؤال فقال: (وإن وعدك الحق) ولم يقل لا تخلف وعدك بإنجاء أهلي،
وإنما قال ذلك لوجود تلوين وظهور بقية منه إذ فهم من الأهل ذوي القرابة الصورية
والرحم الطبيعية وغفل لفرط التأسف على ابنه عن استثنائه تعالى بقوله: (إلا من سبق عليه القول) [هود، الآية: 40] ولم يتحقق أن ابنه هو الذي سبق عليه القول ولا
استعطف ربه بالاسترحام وعرض بقوله: (وأنت أحكم الحاكمين) إلى أن العالم
العادل والحكيم لا يخلف وعده.(قال يا نوح إنه ليس من أهلك) أي: إن أهلك في الحقيقة هو الذي بينك
وبينه القرابة الدينية واللحمة المعنوية والاتصال الحقيقي لا الصوري كما قال أمير
المؤمنين عليه السلام: '' ألا وإن ولي محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، ألا وإن
عدو محمد من عصى الله وإن قربت لحمته ''، (إنه عمل غير صالح) بين انتفاء كونه
من أهله بأنه غير صالح تنبيها على أن أهله هم الصلحاء، أهل دينه وشريعته وأنه
لتماديه في الفساد والغي كأن نفسه عمل غير صالح.
وأن سبب النجاة ليس إلا
الصلاح لا قرابته منك بحسب الصورة، فمن لا صلاح له لا نجاه له. ولوح إلى أنه
صورة من صور الخطايا صدرت منك كما قيل: إنه سر من أسرار أبيه على ما قال
النبي عليه صلى الله عليه وسلم: '' الولد سر أبيه '' وذلك أنه لما بالغ في الدعوة وبلغ الجهد
في المدة المتطاولة وما أجابه قومه غضب ودعا عليهم بقوله: (رب لا تذر على الأرض
ديارا (26) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا (35) [نوح، الآيات:
26 - 35]، فذهل عن شهود قدرة الله وحكمته وأنه: (يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي) [يونس، الآية: 31] فكانت دعوته تلك ذنب حاله في خطيئة مقامه،
فابتلاه الله بالفاجر الكفار الذي زعم حال غضبه أنهم لا يلدون إلا مثله وحكم على
الله بظنه فزكاه عن خطيئته بتلك العقوبة.
وفي الحديث: '' خلق الكافر من ذنب
المؤمن ''.
(فلا تسألني ما ليس لك به علم) من إنجاء من ليس بصالح ولا من
أهلك، واعلم أن الصلاح هو سبب النجاة دون غيره، وأن أهلك هو ذو القرابة
المعنوية لا الصورية.