تفسير سورة آل عمران آية 30
(يوم تجد كل نفس) الآية، كل ما يعمله الإنسان أو يقوله يحصل منه أثر فينفسه وتنتقش نفسه به وإذا تكرر صار النقش ملكة راسخة، وكذا ينتقش في صحائف
النفوس السماوية، لكنه مشغول عن هيئات نفسه ونقوشها بالشواغل الحسية
والإدراكات الوهمية والخيالية، لا يفرغ إليها، فإذا فارقت نفسه جسدها ولم يبق ما
يشغلها عن هيئاتها ونقوشها وجدت ما عملت من خير أو شر محضرا، فإذا كان شرا
تتمنى بعد ما بينها وبين ذلك اليوم أو ذلك العمل لتعذيبها به، فتصير تلك الهيئات
والنقوش صورتها إن كانت راسخة وإلا وجدت جزاءها بحسبها وتكرر (ويحذركم الله نفسه) تأكيدا لئلا يعملوا ما يستحقون به عقابه (والله رؤوف بالعباد) فلذا يحذرهم
عن السيئات تحذير الوالد المشفق لولده عما يوبقه.
تفسير سورة آل عمران آية 31
(قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) لما كان عليه صلى الله عليه وسلمحبيبه فكل من يدعي المحبة لزمه اتباعه لأن محبوب المحبوب محبوب، فتجب محبة
النبي، ومحبته إنما تكون بمتابعته وسلوك سبيله قولا وعملا وخلقا وحالا وسيرة
وعقيدة، ولا تمشي دعوى المحبة إلا بهذا فإنه قطب المحبة ومظهره وطريقته طلسم
المحبة، فمن لم يكن له من طريقته نصيب لم يكن له من المحبة نصيب، وإذا تابعه
حق المتابعة ناسب باطنه وسره وقلبه ونفسه باطن النبي صلى الله عليه وسلم وسره وقلبه ونفسه وهو
مظهر المحبة.
فلزم بهذه المناسبة أن يكون لهذا المتابع قسط من محبة الله تعالى بقدر
نصيبه من المتابعة، فيلقي الله تعالى محبته عليه ويسري من باطن روح النبي صلى الله عليه وسلم نور
تلك المحبة إليه، فيكون محبوبا لله، محبا له، ولو لم يتابعه لخالف باطنه باطن
النبي صلى الله عليه وسلم، فبعد عن وصف المحبوبية وزالت المحبية عن قلبه أسرع ما يكون، إذ لو
لم يحبه الله تعالى لم يكن محبا له (ويغفر لكم ذنوبكم) كما غفر لحبيبه.
قال
تعالى: (ليغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر) [الفتح، الآية: 2] وذنبه المتقدم ذاته،
والمتأخر صفاته، فكذا ذنوب المتابعين كما قال تعالى: '' لا يزال العبد يتقرب
إلي.... '' إلى آخر الحديث. (والله غفور) يمحو ذنوب صفاتكم وذواتكم (رحيم)
يهب لكم وجودا وصفات حقانية خيرا منها. ثم نزل عن هذا المقام لأنه أعز من
الكبريت الأحمر.ودعاهم إلى ما هو أعم من مقام المحبة، وهو مقام الإرادة.