تفسير سورة النساء من آية 134 إلى آية 143
(من كان يريد ثواب الدنيا) بالوقوف مع هوى النفس فما له يطلب أخسالأشياء ويقف في أدنى المراتب (فعند الله ثواب) الدارين جميعا، بالفناء فيه لأنه
الوجود المحيط بالكل فلا يفوته شيء (وكان الله سميعا) بأحاديث نفوسكم (بصيرا)
بنياتكم وإرادتكم بأعمالكم (يا أيها الذين آمنوا) بالتوحيد العلمي وإرادة ثواب الدارين
(كونوا) ثابتين في مقام العدالة التي هي أشرف الفضائل (قوامين) بحقوقها بحيث
تكون ملكة راسخة فيكم لا يمكن معها صدور جور وميل منكم في شيء، ولا ظهور
صفة نفس لاتباع هوى في جذب نفع دنيوي أو دفع مضرة. (يا أيها الذين آمنوا)
بالإيمان التقليدي (آمنوا) بالإيمان التحقيقي أو آمنوا بالإيمان العلمي، أو آمنوا
بالإيمان العيني.(إن الذين آمنوا ثم كفروا) إلى آخره، أي: تحيروا وترددوا بين جهتي الربوبية
العلوية والسفلية لشدة النفاق وغلبة نور الفطرة تارة واستيلاء ظلمة النفس والهوى
أخرى، لاستواء الحالتين فيهم حتى استحكمت الهيئات المظلمة وازدادت الحجب
ورسخت العقائد الفاسدة والملكات الكاسدة باستيلاء صفات النفس واستعلائها مطلقا
فرانت على قلوبهم (ما كان الله ليغفر لهم) لمكان الرين الحاجب وفساد جوهر
القلب وزوال الاستعداد (ولا ليهديهم سبيلا) إلى الحق ولا إلى الكمال ولا إلى
الفطرة الأصلية لعدم قبولهم الهداية وصرف عذابهم بالإيلام لمكان استعدادهم في
الأصل.(الذين يتخذون الكافرين أولياء) لمناسبتهم إياهم في الاحتجاب (من دون المؤمنين) لعدم الجنسية (أيبتغون) التعزز بهم في الدنيا والتقوي بمالهم وجاههم فلا
سبيل إلى ذلك، وهم قد أخطأوا لأن العزة كلها صفة من صفات الله تعالى منيع القوى
والقدر، له قوة القهر والغلبة للكل فبقدر القرب منه وقبول نوره وقوته والاتصاف
بصفاته تحصل العزة فهي بأهل الإيمان أولى وأهل الحجاب والكفر بالزلة أولى
* قاموا
كسالى) لعدم شوقهم إلى الحضور ونفورهم عنه لظلمة استعدادهم باستيلاء الهوى.