بإيجاده لأنها اقتضته، أو قائم عليها بحسب كسبها وبمقتضاه أي كما يقتضي مكسوباتها
من الصفات والأحوال التي تعرض لاستعدادها يفيض عليها من الجزاء الذي هو
الهيئات الكمالية النورانية المثيبة إياها، أو الهيئات الكدرة الظلمانية المعذبة إياها.(لكل أجل كتاب) لكل وقت أمر مكتوب مقدر أو مفروض في ذلك الوقت
على الخلق، فالشرائع معينة عند الله بحسب الأوقات في كل وقت يأتي بما هو صلاح
ذلك الوقت رسول من عنده وكذا جميع الحوادث من الآيات وغيرها. (وما كان
لرسول أن يأتي) بشيء منها إلا بإذنه في وقته لأنها معينة بإزاء الأوقات التي تحدث
فيها من غير تغير وتبدل وتقدم وتأخر (يمحو الله ما يشاء) عن الألواح الجزئية التي
هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن المواد ويفنى (ويثبت) ما يشاء
فيها فيوجد.
(وعنده أم الكتاب) أي: لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل
المنتقش بكل ما كان ويكون أزلا وأبدا على الوجه الكلي المنزه عن المحو والإثبات،
فإن الألواح أربعة: لوح القضاء السابق العالي عن المحو والإثبات وهو لوح العقل
الأول. ولوح القدر أي: لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول
ويتعلق بأسبابها وهو المسمى ب: اللوح المحفوظ. ولوح النفوس الجزئية السماوية
التي ينتقش فيها كل ما في هذا العالم بشكله وهيأته ومقداره وهو المسمى بالسماء
الدنيا وهو بمثابة خيال العالم كما أن الأول بمثابة روحه والثاني بمثابة قلبه. ثم لوح
الهيولى القابل للصور في عالم الشهادة والله أعلم.
تفسير سورة الرعد من آية 41 إلى آية 43
(أو لم يروا أنا نأتي الأرض) نقصد أرض الجسد وقت الشيخوخة (ننقصها منأطرافها) بتواكل الأعضاء وتخاذل القوى وكلالة الحواس شيئا فشيئا حتى يموت (والله
يحكم) على هذا الوجه (لا معقب لحكمه) لا راد ولا مبدل لحكمه، أو نأتي أرض
النفس وقت السلوك ننقصها من أطرافها بإفناء أفعالها بأفعالنا أولا كما قال تعالى: '' بي
يسمع وبي يبصر ''، ثم بإفناء صفاتها بصفاتنا ثانيا، كما قال تعالى: '' كنت سمعه الذي يسمع
به وبصره الذي يبصر ''.
ثم بإفناء ذاتها بذاتنا كما قال تعالى: (لمن الملك اليوم) [غافر،
الآية: 16]
وأجاب نفسه بقوله تعالى: (لله الواحد القهار) [غافر، الآية: 16]
لفناء الخلق
كله، وحينئذ لا حكم إلا لله، يحكم كما يشاء لا معقب لحكمه لعدم غيره.