تفسير سورة النحل من آية 48 إلى آية 55
(أو لم يروا إلى ما خلق الله من شيء) أي: ذات وحقيقة مخلوقة، أية ذاتكانت من المخلوقات (يتفيأ ظلاله) أي: يتجسد ويتمثل هياكله وصوره، فإن لكل
شيء حقيقة هي ملكوت ذلك الشيء وأصله الذي هو به، هو كما قال تعالى: (بيده
ملكوت كل شيء) [يس، الآية: 83]. وظلاله هو: صفته ومظهره، أي: جسده الذي به
يظهر ذلك الشيء.
(عن اليمين و) عن (الشمائل) أي: عن جهة الخير والشر
(سجدا لله) منقادة بأمره، مطواعة لا تمتنع عما يريد فيها، أي: يتحرك هياكله إلى
جهات الأفعال الخيرية والشرية بأمره (وهم داخرون) صاغرون، متذللون لأمره،
مقهورون.
(ولله يسجد) ينقاد (ما في السماوات) في عالم الأرواح من أهل
الجبروت والملكوت والأرواح المجردة المقدسة (وما في الأرض) في عالم الأجساد
من الدواب والأناسي والأشجار وجميع النفوس والقوى الأرضية والسماوية (وهم لا يستكبرون) لا يمتنعون عن الانقياد والتذلل لأمره (يخافون ربهم) أي: ينكسرون
ويتأثرون وينفعلون منه انفعال الخائف (من فوقهم) من قهره وتأثيره وعلوه عليهم
(ويفعلون ما يؤمرون) طوعا وانقيادا بحيث لا يسعهم فعل غيره.(إذا فريق منكم بربهم يشركون) بنسبة النعمة إلى غيره ورؤيته منه، وكذا بنسبة
الضر إلى الغير وإحالة الذنب في ذلك عليه، والاستعانة في رفعه به. قال الله تعالى:
'' أنا والجن والإنس في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر غيري ''، وذلك
هو كفران النعمة والغفلة عن المنعم المشار إليهما بقوله: (ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) وبال ذلك الاعتقاد عليهم، أو فسوف تعلمون بظهور التوحيد أن لا
تأثير لغير الله في شيء.