ومن
لازم التفقه الجهاد الأكبر ثم الأصغر فلذلك قال بعده: (قاتلوا الذين يلونكم) من
كفار قوى نفوسكم التي هي أعدى عدوكم (وليجدوا فيكم غلظة) أي: قهرا وشدة
حتى تبلغوا درجة التقوى فينزل عليكم النصر من عند الله كما قال: (واعلموا أن الله
مع المتقين).(أو لا يرون أنهم يفتنون) الآية، البلاء قائد من الله تعالى يقود الناس إليه. وقد
ورد في الحديث: '''' البلاء سوط من سياط الله تعالى، يسوق به عباده إليه ''''. فإن كل
مرض وفقر وسوء حال يحل بأحد يكسر ثورة نفسه وقواها ويقمع صفاتها وهواها،
فيلين القلب ويبرز من حجابها وينزعج من الركون إلى الدنيا ولذاتها وينقبض منها
ويشمئز، فيتوجه إلى الله تعالى.
وأقل درجاته أنه إذا اطلع على أن لا مفر منه إلا
إليه، ولم يجد مهربا ومحيصا من البلاء سواه، تضرع إليه وتذلل بين يديه، كما قال
تعالى: (وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين) [لقمان، الآية: 32]، (وإذا
مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما) [يونس، الآية: 12]، وبالجملة يوجب
رقة الحجاب أو ارتفاعه فليغتنم وقته وليتعوذ وليتخذ ملكة يعود إليها أبدا حتى يستقر
التيقظ والتذكر وتتسهل التوبة والحضور فلا يتعود الغفلة عند الخلاص وتتقوى النفس
عند الأمان فتغلب وينسبل الحجاب أغلظ مما كان كما قال: (فلما نجاهم إلى البر إذا
هم يشركون) [العنكبوت، الآية: 65]، (فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر
مسه) [يونس، الآية: 12].
تفسير سورة التوبة من آية 128 إلى آية 129
(رسول من أنفسكم) ليكون بينكم وبينه جنسية نفسانية بها تقع الألفة بينكموبينه فتخالطونه بتلك الجنسية وتختلطون به فتتأثر من نورانيتها المستفادة من نور قلبه
أنفسكم فتتنور بها وتنسلخ عنها ظلمة الجبلة والعادة (عزيز عليه) شديد شاق عليه،
عنتكم مشقتكم ولقاؤكم المكروه لرأفته اللازمة للمحبة الإلهية التي له لعباده ورؤيته
إياهم بمثابة أعضائه وجوارحه لكونه ناظرا بنظر الوحدة.
فكما يشق على أحدنا تألم
بعض أعضائه، يشق عليه تعذيب بعض أمته (حريص عليكم) لشدة اهتمامه بحفظكم
كما يشتد اهتمام أحدنا بكل واحد من أجزاء جسده وجوارحه لا يرضى بنقص أقل
جزء منه ولا بشقائه فكذلك هو، بل أشد اهتماما لدقة نظره (بالمؤمنين رؤوف)
ينجيهم من العقاب بالتحذير عن الذنوب والمعاصي برأفته (رحيم) يفيض عليهم
العلوم والمعارف والكمالات المقربة بالتعليم والترغيب عليها برحمته.(فإن تولوا) وأعرضوا عن قبول الرأفة والرحمة لعدم الاستعداد أو زواله
وتعرضوا للشقاوة الأبدية (فقل حسبي الله) لا حاجة لي بكم ولا باستعانتكم كما لا
حاجة للإنسان إلى العضو المألوم المتعفن الذي يجب قطعه عقلا، أي: الله كافيني
ليس في الوجود إلا هو فلا مؤثر غيره ولا ناصر إلا هو (عليه توكلت) لا أرى لأحد
فعلا ولا حول ولا قوة إلا به (وهو رب العرش العظيم) المحيط بكل شيء يأتي منه
حكمه وأمره إلى الكل.