آية 195 - 196
آية 196
(وأنفقوا في سبيل الله) ما معكم من العلوم بالعمل بها ولا تدخروها لوقت آخرعسى لا تدركونه فلا شيء أضر من التسويف (ولا تلقوا بأيديكم إلى) تهلكة التفريط
وتأخير العمل بالعلم وإنفاقه في مصالح النفس فإنه موجب للحرمان (وأحسنوا) أي:
وكونوا في عملكم مشاهدين (إن الله يحب المحسنين) المشاهدين في أعمالهم ربهم،
مخلصين له فيها.(وأتموا) حج توحيد الذات وعمرة توحيد الصفات بإتمام جميع المقامات
والأحوال، بالسلوك إلى الله وفي الله، (فإن أحصرتم) بمنع كفار النفس الأمارة إياكم
عنهما (فما استيسر من الهدي) فجاهدوا في الله بسوق هدي النفس وذبحها بفناء
كعبة القلب أو عرضة ما تمنى منها القلب من المقام. وما استيسر إشارة إلى أن
النفوس مختلفة في استعداداتها وصفاتها، فبعضها موصوف بصفات حيوان ضعيف،
وبعضها بصفات حيوان قوي. ولكل ما تيسر أو بعضها بصفات حيوان ذلول سهل
الانقياد، وبعضها بصفات حيوان صعب عسر الانقياد، وربما كان لبعضها صفة لم
يتيسر قمعها وإن تيسر قمع سائر صفاتها. ومثل هذا الحاج محصر أبدا.(ولا تحلقوا رؤوسكم) ولا تزيلوا آثار الطبيعة وتختاروا طيب القلب وفراغ
الخاطر من الهموم والتعلقات كلها، والعادات والعبادات وتقتصروا على صفاء الوقت
كما هو مذهب القلندرية (حتى يبلغ) هدي النفس (محله) أي: مكانه، وهو مذبحه
أو منحره الذي يقتضي أن تكون أفعالها التي كانت محرمة عند حياتها بهواها تصير
حلا عند قتلها لكونها بالقلب فتأمنوا من بقاياها، وإلا لتشوش وقتكم وتكدر صفاؤكم
بظهورها ونشاطها بالدعوى عند بسط القلب كما هو حال أكثر القلندرية اليوم.(فمن كان منكم مريضا) أي: ضعيف الاستعداد مملوء القلب بعوارض لازمة
في جبلتها أو مكتسبة من العادات (أو به أذى من رأسه) أو ممنوعا مبتلى بهموم
وتعلقات ورذائل وهيئات، ولم يتيسر له السلوك والمجاهدة على ما ينبغي وأراد أن
يقتصر على طيب القلب وصفاء الوقت ليبقى على الفطرة ولا ينتكس وينحط عن
درجته وإن لم يترق. فعليه فدية من إمساك عن بعض لذاته وشواغله النفسانية. أو فعل
بر أو رياضة ومجاهدة تقمع بعض القوى المزاحمة، فليحفظ وقته وليراع صفاءه بزهد
ما أو عبادة أو مخالفة نفس (فإذا أمنتم) من العدو المحصر (فمن تمتع) بذوق
تجلي الصفات متوسلا به إلى حج تجلي الذات (فما استيسر من الهدي) بحسب