(أنزل) من سماء روح القدس ماء العلم (فسالت أودية) القلوب بقدر
استعداداتها (فاحتمل) سيل العلم (زبدا) من خبث صفات أرض النفس ورذائلها
ودناياها (ومما يوقدون عليه) في نار العشق من المعارف والكشوف والحقائق والمعاني
التي تهيج العشق (ابتغاء) زينة النفس وبهجتها بها لكونها كمالات لها (أو متاع) من
الفضائل الخلقية التي يحصل بسببها، فإنها مما يتمتع به النفس (زبد مثله) خبث كالنظر
إليها ورؤيتها وتصور النفس كونها كاملة أو فاضلة متزينة بزينة تلك الأوصاف وإعجابها
واحتجابها وسائر ما يعد من آفات النفس وذنوب الأحوال (فأما الزبد فيذهب جفاء)
مرميا به منفيا بالعلم كما قال تعالى: (ليطهركم به) [الأنفال، الآية: 11]، (وأما ما ينفع
الناس) من المعاني الحقية والفضائل الخالصة (فيمكث) في أرض النفس.
تفسير سورة الرعد من آية 18 إلى آية 22
(للذين استجابوا لربهم) بتصفية الاستعداد عن كدورات صفات النفس(الحسنى) أي: المثوبة الحسنى وهو الكمال الفائض عليهم عند الصفاء المعبر عنه
بقوله تعالى: (نور على نور) [النور، الآية: 35]، (والذين لم يستجيبوا) لم يتزكوا عن
الرذائل البشرية والكدورات الطبيعية لا يمكنهم اللافتداء بكل ما في الجهة السفلية من
الأموال والأسباب التي انجذبوا إليها بالمحبة فأهلكوا نفوسهم، لأن تلك سبب زيادة
البعد والهلاك، فكيف تكون سببا لخلاصهم عن تلك الظلمات وتبرئهم عنها؟، لا
ينفعهم عند رسوخ هيئات التعلق بها في أنفسهم (أولئك لهم سوء الحساب) لوقوفهم
مع الأفعال في مقام النفس الذي هو مقام العدل الإلهي، فلا بد لهم من المناقشة في
الحساب (ومأواهم جهنم) صفات النفس ونيران الحرمان وهيئات السوء (ويخشون
ربهم) عند تجلي الصفات في مقام القلب، فيشاهدون جلال صفة العظمة ويلزمهم
الهيبة والخشية (ويخافون سوء الحساب) عند تجلي الأفعال في مقام النفس فينظرون
إلى البطش والعقاب فيلزمهم الخوف.