فيأمرون المقصر بالمعروف الذي يوصله إلى مقام التوحيد،
وينهون الغالي المحجوب بالجمع عن التفصيل وبالوحدة عن الكثرة. (وتؤمنون بالله)
أي: تثبتون في مقام التوحيد الذي هو الوسط، وكذا في كل تفريط وإفراط واعتدال
في باب الأخلاق (ولو آمن أهل الكتاب) لكانوا مثلكم.(لن يضروكم إلا أذى) لكونهم منقطعين عن أصل القوى والقدر، كائنين في
الأشياء بالنفس التي هي محل العجز والشر، وأنتم معتصمون بالله، معتضدون به،
كائنون في الأشياء بالحق الذي هو منبع القهر. فقدرتهم لا تبلغ إلا حد الطعن باللسان
والخبث والإيذاء الذي هو حد قدرة النفس ونهايتها، وقدرتكم تفوق كل قدرة بالقهر
والاستئصال لاتصافكم بصفات الله تعالى، فلا جرم ينهزمون منكم عند المقاتلة ولا
ينصرون.
تفسير سورة آل عمران آية 112
(ضربت عليهم الذلة) لأن العزة لله جميعا، فلا نصيب فيها لأحد إلا لمنتخلق بصفاته بمحو صفات البشرية، كالرسول والمؤمنين الذين هم مظاهر عزته، كما
قال الله تعالى: (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) [المنافقون، الآية: 8]، فمن خالفهم
فهو مضاد لصفة العزة، مباين للأعزاء، فتلزمه الذلة وتشمله على أي حال يكون، إلا
برابطة ما بينه وبين أهل العزة كقوله: (إلا بحبل من الله وحبل من الناس) أي: ذمة
وعهد، وذلك يكون أمرا عارضيا لا أصل له مرتبطا برابطة مجعولة فلا تقابل صفتهم
الذاتية اللازمة لهم التي هي الذلة الناشئة من أصل نفوسهم. واستحقوا غضبا شديدا
من عند الله لبعدهم وإعراضهم عن الحق، ولزمتهم المسكنة لانقطاعهم عن الله إلى
نفوسهم فوكلهم إلى أنفسهم.