تفسير سورة النساء من آية 37 إلى آية 41
(الذين يبخلون) أولا بإمساك كمالاتهم وعلومهم في مكامن قرائحهم ومطاميرغرائزهم، لا يظهرونها بالعمل بها في وقتها ثم بالامتناع عن توفير حقوق ذوي
الحقوق عليهم، لا يبذلون صفاتهم وذواتهم بالفناء في الله لمحبتهم لها، ولا ينفقون
أموال علومهم وأخلاقهم وكمالاتهم على ما ذكرنا من المستحقين. (ويأمرون الناس بالبخل) يحملونهم على مثل حالهم (ويكتمون ما آتاهم الله من فضله) من التوحيد
والمعارف والأخلاق والحقائق في كتم الاستعداد وظلمة القوة كأنها معدومة (وأعتدنا للكافرين) المحجوبين عن الحق
* (عذابا مهينا) في ذل وجوههم وشين صفاتهم.(والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس) أي: يبرزون كمالاتهم من كتم العدم،
ويخرجونها إلى الفعل، محجوبين برؤيتها لأنفسهم، يراؤون الناس بأنها لهم (ولا يؤمنون بالله) الإيمان الحقيقي، فيعلمون أن الكمال المطلق ليس إلا له، ومن أين
لغيره وجود حتى يكون له؟ فيتخلصون عن حجاب رؤية الكمال لأنفسهم، وينجون
عن إثم العجب.
(ولا باليوم الآخر) أي: الفناء في الله والبروز للواحد القهار،
فيتبرؤون من ذنب الشرك، وذلك لمقارنة شيطان الوهم إياهم (ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا) لأنه يضله عن الهدى، ويحجبه عن الحق (وماذا عليهم لو آمنوا بالله) أي: لو صدقوا الله بالتوحيد والفناء فيه، ومحو كمالاتهم التي رزقهم الله
بإضافتها إلى الله؟ (وكان الله بهم عليما) يجازيهم بالبقاء بعد الفناء، وكونهم مع تلك
الصفات والكمالات بالله لا بأنفسهم.(إن الله لا يظلم) أي: لا ينقص من تلك الكمالات بالفناء فيه (مثقال ذرة)
بل يضاعفها بالتأييد الحقاني (وإن تك حسنة يضاعفها) ولا تكون حسنة إلا إذا كانت
له (ويؤت من لدنه أجرا عظيما) هو ما أخفي له من قرة أعين، أي: الشهود الذاتي
الذي لا حجبة معه عن تفاصيل الصفات.