أي: أمره كما وصفنا (وقد أحطنا بما
لديه) من العلوم والمعارف والكمالات والفضائل (خبرا) أي: علما، ومعناه: لم
يحط به غيرنا لكونه الحضرة الجامعة للعالمين فليس في الوجود من يقف على
معلوماته إلا الله ولأمر ما سمي عرش الله.(ثم أتبع) طريقا بالسير في الله (حتى إذا بلغ بين السدين) أي: الكونين،
وذلك مرتبته ومقامه الأصلي بين صدفي جبلي الإله والسير في المشرق والمغرب سفرة
تنزلا وترقيا (وجد من دونهما قوما) هم القوى الطبيعية البدنية والحواس الظاهرة (لا
يكادون يفقهون قولا) لكونها غير مدركة للمعاني ولا ناطقة بها.(قالوا) بلسان الحال (إن يأجوج) الدواعي والهواجس الوهمية (ومأجوج)
الوساوس والنوازع الخيالية (مفسدون) في أرض البدن بالتحريض على الرذائل
والشهوات المنافية للنظام والحث على الأعمال الموجبة للخلل فيه وخراب القوانين
الخيرية والقواعد الحكمية وإحداث النوائب والفتن والأهواء والبدع المنافية للعدالة
المقتضية لفساد الزرع والنسل (فهل نجعل لك خرجا) بإمدادك بكمالاتنا وصور
مدركاتنا (على أن تجعل بيننا وبينهم سدا) لا يتجاوزونه وحاجزا لا يعلونه، وذلك
هو الحد الشرعي والحجاب القلبي من الحكمة العملية.
تفسير سورة الكهف من آية 95 إلى آية 99
(قال ما مكني فيه ربي) من المعاني الكلية والجزئية الحاصلة بالتجربة والسيرفي المشرق والمغرب (خير فأعينوني بقوة) أي: عمل وطاعة (أجعل بينكم وبينهم
ردما) هو الحكمة العملية والقانون الشرعي. (آتوني زبر الحديد) من الصور العملية
وأوضاع الأعمال (حتى إذا ساوى بين الصدفين) بالتعديل والتقدير (قال) للقوى
الحيوانية (انفخوا) في هذه الصور نفخ المعاني الجزئية والهيئات النفسانية من فضائل
الأخلاق (حتى إذا جعله نارا) أي: علما برأسه من جملة العلوم يحتوي على بيان
كيفية الأعمال (قال آتوني أفرغ عليه قطرا) النية والقصد الذي يتوسط بين العلم
والعمل، فيتحد به روح العلم وجسد العمل كالروح الحيواني المتوسط بين الروح
الإنساني والبدن، فحصل سد، أي: قاعدة وبنيان من زبر الأعمال ونفخ العلوم
والأخلاق وقطر العزائم والنيات، واطمأنت به النفس وتدبرت فآمنت.
(فما اسطاعوا
أن يظهروه) ويعلوه لارتفاع شأنه وكونه مشتملا على علوم وحجج لم يمكنهم دفعها
والاستيلاء عليها (وما استطاعوا له نقبا) لاستحكامه بالملكات والأعمال والأذكار.