(وقد خلت من قبلهم)
عقوبات أمثالهم (وإن ربك لذو مغفرة للناس) مع ظلمهم على أنفسهم باكتساب تلك
الهيئات الغاسقة الحاجبة عن النور لمن لم ترسخ فيه ولم تبطل استعداده فيزيلها بنور
رحمته (وإن ربك لشديد العقاب) لمن ترسخت فيه وصارت رينا وأبطلت الاستعداد.(ويقول الذين كفروا لولا أنزل عليه آية من ربه) حجبوا، فلم يروا الآيات
الشاهدة على النبوة من اتصافه بصفات الله لعدم إدراكهم وعمى بصائرهم، فلذلك لم
يعدوها آيات واقترحوها على حسب هواهم ما عليك إلا إنذارهم لا هدايتهم، إذ
الهداية إلى الله (ولكل قوم هاد) يناسبهم بحسب الجنسية الفطرية فيألفونه عند كماله
وتلقيه النور الإلهي، ويقبلون الهداية منه فيهديهم الله على مظهره، فمن ناسبك بتلك
الجنسية الأصلية قبل الهداية منك ومن لا فلا.
تفسير سورة الرعد من آية 8 إلى آية 11
تلك أسرار خفية لا يعلمها إلا (الله) الذي (يعلم ما تحمل كل أنثى) فيعلم ماتحمل أنثى النفس من ولد الكمال، أي ما في قوة كل استعداد وما تزيد أرحام
الاستعداد بالتزكية والتصفية وبركة الصحبة من الكمالات وما تنقص منها بالانهماك في
الشهوات (وكل شيء) من الكمالات (عنده بمقدار) معين على حسب القابلية أو
كل شيء من قوة قبول في استعداد مقدر عنده بمقدار في الأزل من فيضه الأقدس لا
يزيد ولا ينقص، أو لكل قوم هاد هو الله تعالى كما قال: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) [القصص، الآية: 56] لعلمه بما في الاستعدادات من قوة
القبول وزيادتها ونقصانها فيقدر بحسبها كمالاتهم.(عالم) غيب ما في الاستعدادات من قوة القبول وشهادة الكمالات الحاضرة
الخارجة إلى الفعل (الكبير) الشأن الذي يجل عن إعطاء ما يقتضيه بعض
الاستعدادات بل يسع كلها فيعطيها مقتضياتها (المتعال) عن أن ينقطع فيضه فيتأخر
عن حصول الاستعداد وينقص مما يقتضيه.(سواء منكم من أسر القول) في مكمن استعداده (ومن جهر به) بإبراز العلم
من القوة إلى الفعل (ومن هو مستخف) بليل ظلمة نفسه (و) من هو (سارب)
بخروجه من مقام النفس وذهابه في نهار نور الروح.