تفسير ابن عربي (جزء 2)

محمد بن علی ابن عربی؛ محقق: عبد الوارث محمد علی

نسخه متنی -صفحه : 400/ 45
نمايش فراداده

تفسير سورة الأنبياء من آية 89 - 91

(وزكريا) الروح الساذج عن العلوم (إذ نادى ربه) في استدعاء الكمال بلسان الاستعداد، واستوهب يحيى القلب لتنتعش فيه العلوم، وشكا انفراده عن معاضدة القلب في قبول العلم وحيازة ميراثه مع علمه بأن الفناء في الله خير من الكمال العملي حيث قال: (وأنت خير الوارثين) من القلب وغيره (ووهبنا له يحيى) القلب بإصلاح زوجه النفس العاقر لسوء الخلق وغلبة ظلمة الطبع عليها بتحسين أخلاقها وإزالة الظلمة الموجبة للعقر عنها (إنهم) إن أولئك الكمل من الأنبياء (كانوا يسارعون في الخيرات) أي: يسابقون إلى المشاهدات التي هي الخيرات المحضة بالأرواح (ويدعوننا) لطلب المكاشفات بالقلوب (رغبا) إلى الكمال (ورهبا) من النقصان أو رغبا إلى اللطف والرحموت في مقام تجليات الصفات ورهبا من القهر والعظموت (وكانوا لنا خاشعين) بالنفوس.

(والتي أحصنت) أي: النفس الزكية الصافية المستعدة العابدة التي أحصنت فرج استعدادها ومحل تأثير الروح من باطنها بحفظه من مسافحي القوى البدنية فيها (فنفخنا فيها) من تأثير روح القدس بنفخ الحياة الحقيقية فولدت عيسى القلب (وجعلناها) مع القلب علامة ظاهرة وهداية واضحة (للعالمين) من القوى الروحانية والنفوس المستعدة المستبصرة يهديهم إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

تفسير سورة الأنبياء من آية 92 - 95

(إن هذه) الطريقة الموصلة إلى الحقيقة وهي طريقة التوحيد المخصوصة بالأنبياء المذكورين، طريقتكم أيها المحققون السالكون، طريقة (واحدة) لا اعوجاج ولا زيغ ولا انحراف عن الحق إلى الغير ولا ميل (وأنا) وحدي (ربكم) فخصصوني بالعبادة والتوجه ولا تلتفتوا إلى غيري (وتقطعوا) أي: تفرق المحجوبون الغائبون عن الحق، الغافلون في أمر الدين وجعلوا أمر دينهم قطعا يتقسمونه (بينهم) ويختارون السبل المتفرقة بالأهواء المختلفة (كل إلينا راجعون) على أي مقصد وأية طريقة وأيه وجهة كانوا فنجازيهم بحسب أعمالهم وطرائقهم.