تفسير ابن عربي (جزء 2)

محمد بن علی ابن عربی؛ محقق: عبد الوارث محمد علی

نسخه متنی -صفحه : 400/ 84
نمايش فراداده

(وإذا مروا باللغو) أي: الفضول غير الضرورية تركوها وأعرضوا عنها (ومروا) بها مكرمين أنفسهم عن مباشرتها، قانعين بالحقوق عن الحظوظ وهم الزاهدون بالحقيقة، التاركون المجردون. ثم لما بين الزهد الحقيقي والتجريد قرن به العبادة الحقيقية والتحقيق بقوله: (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم) أي: كوشفوا المعارف والحقائق وتجليات الصفات والمشاهدات (لم يخروا) على العلم بتلك الآيات من المعارف والحقائق (صما) بل تلقوها بآذان واعية هي آذان القلوب لا النفوس، وعلى مشاهدتها (و) تجليها (عميانا) بل أحدقوا نحوها ببصائر جديدة مكحلة بنور الهداية.

تفسير سورة الفرقان من آية 74 - 77

ثم وصف طلبهم للترقي عن مقام القلب إلى مرتبة السابقين والاستعانة بالله عن تلوين النفس وصفاتها لينخرطوا في سلك المقربين بقوله: (والذين يقولون ربنا هب لنا من) أزواج نفوسنا وذريات قوانا ما تقر به أعيننا من طاعاتهم وانقيادهم خاضعين، وتنورهم بنور القلب مخبتين غير طالبين للاستعلاء والترفع والاستكبار والتجبر (واجعلنا للمتقين) أي: المجردين (إماما) بالوصول إلى مقام السابقين (أولئك يجزون) غرفة الفردوس وجنة الروح بصبرهم مع الله وفي الله عن غيره (ويلقون فيها تحية) خلود حياة (وسلاما) سلامة وبراءة عن الآفات، أي: يحييهم الله بإبقائهم سرمدا ببقائه ويسلمهم بإيتائهم كماله كما قيل: (تحيتهم يوم يلقونه سلم) [الأحزاب، الآية: 44]، وقال: (تحيتهم فيها سلم) [إبراهيم، الآية: 23].

(ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم) أي: لو لم يكن طلبكم لله وإرادتكم لكنتم شيئا غير ملتفت إليه ولا معبوء به كالحشرات والهوام، فإن الإنسان إنما يكون إنسانا وشيئا معتدا به إذا كان من أصحاب الإرادة والطلب، والله تعالى أعلم.