و لعل الفرق بين السب و البراءة حيث امر بالاول و نهى عن الثاني ، ان السب صادر بالنسبة إلى المسلم ايضا بخلاف البراءة فانها تكون عن المشركين و الكافرين كما قال الله تعالى : ( برائة من الله و رسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين .
) ( 1 ) .
و كان من كان يأمر بالبراءة عن الامام عليه السلام يريد ان يجعل الامام في عداد المشركين و الخارجين عن الدين ، و من كان يتبرأ منه صلوات الله عليه يعده من الكفار ، و بهذه المناسبة علل الامام عليه السلام نهيه عن البراءة بقوله : فانى ولدت على الفطرة و سبقت إلى الايمان و الهجرة ، و على هذا فلو أكره على السب ، فسب فلا شيء عليه بل و ربما كان محمودا على فعله كما يشهد بذلك حكاية عمار و نزول الاية الكريمة : ( من كفر بالله من بعد ايمانه الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان ) ( 2 ) .
ففى التفسير ان قريشا أكرهوا عمار و أبويه على الارتداد فأبى أبواه فقتلا و هما أول قتيل في الاسلام ، و أعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقيل يا
عن مسعدة بن صدقة قال : قيل لابي عبد الله عليه السلام : ان الناس يروون ان عليا عليه السلام قال على منبر الكوفة : أيها الناس إنكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم تدعون إلى البراءة مني فلا تبرؤوا مني فقال : ما أكثر ما يكذب الناس على علي عليه السلام ثم قال : إنما قال : انكم ستدعون إلى سبي فسبوني ثم ستدعون إلى البراءة عني و إني لعلى دين محمد ، و لم = = يقل : لا تبرؤوا مني ، فقال له السائل : أ رأيت ان اختار القتل دون البراءة ؟ فقال : و الله ما ذلك عليه و ماله الا ما مضى عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة و قلبه مطمئن بالايمان فأنزل الله عز و جل فيه : ( الا من أكره و قلبه مطمئن بالايمان ) فقال له النبي صلى الله عليه و آله و سلم عندها : يا عمار ان عادوا فعد فقد أنزل الله عز و جل عذرك و أمرك أن تعود ان عادوا . 1 - سورة التوبة الآية 1 . 2 - سورة النحل الآية 106 .