اقول:
مغيضا لهما:
اى مغيبا. و السبط:
القبيله. و قد دعا الله سبحانه باعتبار كونه ربا للسماء و الارض و باعتبار ما فيهما من الايات المنبهه على كمال عظمته و لطفه بخلقه، و هذا الدعاء مما تستعد به القلوب و الابدان لاستفاضه الغلبه و النصر على العدو. و السقف المرفوع:
السماء. و كذلك الجو المكفوف، و قد مرت الاشاره الى ذلك فى الخطبه الاولى، و كونه مغيضا لليل و النهار لان الفلك بحركته المستلزمه لحركه الشمس الى وجه الارض يكون سببا لغيبوبه الليل، و استلزام حركته لحركاتها عن وجه الارض يكون سببا لغيبوبه النهار فكان كالمغيض لهما فاستعار له لفظ المغيض. و كونه محلا لجرى الشمس و القمر و محل اختلاف النجوم السياره ظاهر. و ليس فيه دلاله على ان النجوم تتحرك فيه بذاتها من دون حركته. و الطائفه من الملائكه اشاره الى الارواح الفلكيه المحركه لاجرامها، و قد سبقت الاشاره اليهم و بيان انهم لايسامون من العباده فى الخطبه الاولى. ثم دعاه باعتبار كونه ربا للارض، و باعتبار ما بسطها لاجله من كونها قرار للانام و مدرجا للهوام و الانعام و ما لايحصى مما يرى و لايرى من انواع الحيوان. قال بعض العلماء:
من اراد ان يعرف حقيقه قوله عليه الس لام:
ما يرى و ما لايرى فليوقد نارا صغيره فى فلاه فى ليله صيفيه و ينظر ما يجتمع عليها من غرائب انواع الحيوان العجبيه الخلق لم يشاهدها هو و لا غيره. و اقول:
يحتمل ان يريد بقوله:
و ما لايرى ما ليس من شانه ان يرى اما لصغره او لشفافيته. ثم باعتبار كونه ربا للجبال، و قد علمت معنى كونها اوتادا للارض. فاما كونها اعتمادا للخلق فلانهم قد يبنون بها المساكن و يقوم فيها من المنافع ما لايقوم فى الاوديه لكثير من الاشجار و الثمار، و لانها معادن الينا بيع و منابع المعادن، و ظاهر كونها اذن معتمدا للخلق فى مراتعهم و منافعهم. ثم سال على تقدير نصره ان يجنبه البغى و هو العبور الى طرف الافراط من فضيله العدل ثم التسديد و الاستقامه على فضيله العدل و هو الحق، و على تقدير اظهار عدوه عليه الشهاده و العصمه من فتنه الغبن و الانقهار فان المغلوب اذا كان معتقدا انه على الحق قلما يسلم من التسخط على البخت و التعتب على ربه، و ربما كفر كثير من الناس عند نزول البلاء بهم. و ظاهر كونه فتنه:
اى صارفا عن الله. و اعتصم عليه السلام من تلك الفتنه و امثالها استثباتا لنفسه على الحق و تاديبا للسامعين. ثم اخذ فيما العاده ان يستحمى به الانسان اصحابه فى الحر ب، و يستثير به طباعهم:
من الاستفهام عن حامى الذمار، و الذى تصيبه الغيره من اهل المحافظه عند نزول الحقايق:
اى عظائم الامور و شدائدها. ثم قال:
النار ورائكم:
اى ان رجوعكم القهقرى هربا من العدو مستلزم لدخولكم النار و استحقاقكم لها، و الجنه امامكم:
اى فى اقدامكم على العدو و التقدم الى مناجزته، و هو كلام فى غايه الوجازه و البلاغه.