و من خطبه له اخرى قوله: سابقوا الى منازلكم التى امرتم ان تعمروها، الى آخر الكلام، الموت انتقال من منزل الى منزل.
من وثق بما له عند الله، لم يكرهه.
و لا يكره الموت و الانتقال من هذا المنزل الادنى الى المنزل الاعلى الا رجلان: رجل لا يومن بالاخره، كما قال الله، تعالى: و لتجدنهم احرص الناس على حيوه.
و الثانى مومن يخاف ذنبه.
فمن كان مومنا بالاخره، و لا يخاف ذنبه، فانه يحب الموت و يتمناه.
كما قال النبى، عليه السلام، من احب لقاء الله (169 ر) احب الله لقائه.
و قد ذكر الله الموت و الاماته من قبيل النعم، فقال: ثم يميتكم ثم يحييكم.
فجعل الاماته انعاما، كما جعل الاحياء انعاما.
و اول الايه يدل على ذلك، حيث قال: كيف تكفرون بالله، و الموت نعمه، لان الحيوه الباقيه التى بعد الموت نعمه، و لا سبيل اليها الا بالموت، و السبب الذى به يتوصل الى النعمه (نعمه).
و قيل: لما مات داود الطائى رحمه الله، نادى قبل موته باعلى صوته: اطلق داود من السجن و نجا.
قال الله، تعالى: و لئن متم او قتلتم لالى الله تحشرون.
و سئل الامام مسعود الصوابى فى سكرات موته عن حاله، فقال: اليس مصيرى اليه.
و قيل النوى المزروعه لا يصير نخلا مثمرا الا بع د دفنها فى الارض و فسادها، و كذلك البر لا يمكن التغذى به الا ان يطحن و يعجن و يطبخ، فيتغير تغيرا كثيرا، كل ذلك فساد فى الظاهر.
فكذلك الانسان يموت و ينفى، و الفناء و الموت فسادان، و لكن بذلك الفساد يتصول الى البقاء الابدى.
و لا يرضى بالبقاء فى دار الدنيا الا من كانت همته دنيه، و يكون رضاه بالحيوه الدنيا رضى الخنافس و الجعلان بالاوارث و النجاسات.