قوله: نحن النمرقه الوسطى بنا يلحق التالى و اليها يرجع الغالى.
الحق و اهله متوسطون، و الباطل على الطرفين.
فان المبطل اما مقصر، و اما متجاوز، كما قال اميرالمومنين، عليه السلام: لا ترى الجاهل الا مفرطا او مفرطا.
فشبه الحق بواسطه الاشياء.
فمن حق من تخلف عنه ان يبادر اليه فيلحق به، و من حق من تجاوزه ان يرجع اليه فيقف عنده.
فلما كان اميرالمومنين اما الحق، وجب على سائر الناس ان يقفوا عنده.
قوله: من احبنا اهل البيت، فليستعد للفقر جلبابا.
قال الامام الوبرى: يحتمل هذا الفقر الظاهر، و يحتمل ان المراد بذلك: ان من احبنا، و من وطن نفسه على مودينا، و عزم على مشايعتنا، فليوطن نفسه و ليحدثها باستدامه العباده لله، طول حيوته الى مماته، فانه سيرتنا.
فمن تابعنا فليستن بسنتينا و ان سنتنا الفقر و الفاقه الى الله تعالى.
و قال بعض العلماء: ان الفقير هو الذى ليس له ما يحتاج اليه، و ليس له ان يكتسب ما يحتاج اليه.
و الانسان فى ابتداء امره محتاج الى وجوده، و يحتاج فى حال وجوده (199 ر) الى بقائه، و بعد بقائه الى صحته، و جميع ذلك مما لا يدخل فى اكتساب العبد.
و فى الانجيل ان عيسى، عليه السلام، قال: اصبحت مرتهنا بعملى، و الامر بيد غيرى، فلا فقيرا فقر منى.
و الناس كلهم فقراء.
كما قال الله، تعالى: يا ايها الناس انتم الفقراء الى الله.
لكن الفقير فى العرف و العاده هو الذى يعرف حقيقه فقره.
فلذلك قال: فليستعد للفقر جلبابا او تجفافا.
فمن ترك الدنيا اختيارا، فهو زاهد، و من ترك الدنيا اضطرارا، فهو فقير.
و الفقر ينقسم ثلثه اقسام: قسم ليس له مال، و لكنه دائما فى طلبه، و يقال له الفقير الحريص.
و قسم لا يطلب الدنيا، و ان اعطاه انسان شيئا، اخذه، و شكر الله، تعالى، و هو الفقير القانع.
و قسم لا يسال من المخلوق شيئا، و لا ياخذه، و شكر الله، تعالى، و هو الفقير القانع.
و قسم يسال من المخلوق شيئا، و لا ياخذ، و هذا هو الفقير المحمود.
و ذكر السيد المرتضى فى كتاب الغرر: من احبنا اهل البيت، فليستعد للفقر جلبابا او تجفافا.
قال ابوعبيد: و قد تاول بعض الناس هذا الخبر على انه اراد به الفقر فى الدنيا.
قال: و ليس ذلك كذلك، لانا نرى فى من يحبهم مثل ما فى سائر الناس من الفقر و لا تميز بينهما.
قال: و الصحيح انه اراد الفقر يوم القيمه، و اخرج الكلام مخرج الموعظه و النصيحه و الحث على الطاعات.
و كانه اراد: من احبنا، فليعد للفقر يوم القيمه ما يجبره من الثواب و القرب الى الله، تعالى.
قال القتيبى: وجه الحديث خلاف ما قاله ابوعبيد، و لم يرد الا الفقر فى الدنيا.
و معنى الخبر ان من احبنا، فليصبر على التقلل من الدنيا و التقنع فيها، و لياخذ نفسه بالكف عن احوال الدنيا و اعراضها.
و شبه الصبر على الفقر بالتجفاف و الجلباب، لانه يستر الفقر كما يستر الجلباب او التجفاف البدن.
و يشهد بصحه هذا التاويل ما روى عنه، عليه السلام، انه راى قوما على بابه، فقال: يا قنبر، من هولائ؟ فقال له قنبر: شيعتك.
فقال: ما لى لا ارى فيهم سيما الشيعه.
قال: و ما سيما الشيعه؟ فقال: خمص البطون من الطوى، يبس الشفاه (199 پ) من الظما، عمش العيون من البكا.
هذا كله قول ابن قتيبه.
قال السيد المرتضى: يمكن ان يكون فى الخبر وجه ثالث، و هو ان الفقر ان يجز انف البعير (حتى) يخلص الى العظم او قريب منه، ثم يلوى عليه حبل، يذلل بذلك الصعب، يقال: فقره يفقره، اذا فعل ذلك به.
و بعير مفقور به فقر، فيحتمل ان يكون اراد بذلك من احبنا فليزم نفسه و ليخطمها و ليقدها الى الطاعات و يصرفها عما يميل طباعها اليه من الشهوات و ليذللها على الصبر عما كره منها و مشقه ما اريد منها كما يفعل ذلك بالبعير الصعب.