اما قوله: كنتم اتباع البهيمه، البهيمه معناها البهيمه عن العقل.
(49 ر) و جمعها البهائم، و هى كل ذى اربع من دواب البر و البحر.
و البصره بصره لان ارضها حجاره رخوه الى البياض ماهى، و بها سميت البصره بصره، لان ارضها التى بين العقيق و المربد كذلك.
و قد بناها عتبه بن عزوان، رضى الله عنه.
و اكثر سكانها رعاه الدواب.
و فى هذا الكلام فائده عظيمه، و هى ان الوحشى من الناس الذى يرعى الدواب دون سكان البلدان فى الرويه.
قوله: رغا، يعنى الجمل، و الرغاء صوت ذواب الخف، و لذلك قيل فى المثل: كفى رغاتها مناديا، اى رغاء بعيره يقوم مقام ندائه فى التعرض للضيافه و القرى.
ثم وصفهم بسوء الاخلاق، و قال: اخلاقكم دقاق.
ماخوذ من قولهم: رجل دقيق اى قليل.
و قيل: الدق اصل واحد يدل على الصغر و الحقاره، و معناه: اخلاقكم رذائل، لافضائل.
و اصناف الرذائل من الاخلاق الفجور و الشره و الهتك و الخرق و الفسق و الفساد و الغدر و الجنايه و افشاء السر و الكبر و العبوس و الكذب و الخبث و التيه و البخل و الجبن و الحسد و الجزع و خساسه الهمه و الظلم و السفه.
قوله: و عهدكم شقاق، العهد الامان و اليمين و الموثق و الضمان فى الذمه و الحفاظ و الوصيه.
و منه يقال: ولى العهد، اى ولى الميثاق، و على عهد الله لافعلن كذا.
و الشقاق الخلاف و العداوه.
قوله: و دينكم نفاق، و النفاق بكسر النون فعل المنافق، و جمع النفقه.
و المنافق هو الذى يخفى اعتقاده اردى، و قيل: المنافق من قولهم: فرس نفق الجرى، اى سريع انقطاع الجرى.
يعنى ان المنافق سريع انقطاع الا (تصال) و الوفاق.
و يقال هو ماخوذ من قولهم: نفق الزاد ينفق نفقا، اى نفد، يعنى نفد خيره و فضله.
و قيل: ماخوذ من النفقه و النافقاء و هما جحر اليربوع يكتمه و يظهر فى غيره.
فالمنافق يكتم معتقده و يظهر خلاف معتقده.
و يقال: ذلك ماخوذ من قولهم: نفق اليربوع، اى خرج من نافقائه و اخرج راسه دون سائر جسده، لان المنافق يخرج من الكفر باللسان دون القلب.
مائكم زعاق، ماء زعاق ملح، و طعام مزعوق اكثر ملحه، و الماء الزعاق فعل الله، تعالى.
الا ان فيما ذكره اميرالمومنين فائده عظيمه.
و هى ان الماء جسم يتناوله اكثر الحيوانات خصوصا الانسان.
و قيل: ان بعض الحيوانات كالضان و الارانب و غيرها لا يحتاج الى تناوله.
اما لا شك ان الانسان محتاج الى تناوله.
و قال بعض الاطباء: انه لا يغذو، بل ينفذ الغذاء.
و المياه مختلفه لا بسبب المائيه، لكن بحسب ما يخالطها.
و افضل المياه مياه العيون التى لا يغلب على تربتها شى ء من الكيفيات الغريبه.
و يجب ان تكون جاريه مشكوفه للشمس و الرياح.
و ما كان اخف فى الوزن كان افضل.
و كل ما بعد منبعه، و طاب مسلكه، و كان جريه عن الجنوب الى الشمال، و هو ملطف لما يدخله من المياه، و كان غمرا، فانه ماء صالح ملائم.
و من المياه الفاضله مياه المطر خصوصا اذا كان المطر صيفيا و عن سحاب يرعد.
و الماء الزعاق و هو المالح مهزل و يقشف و يفسد الدم.
فيتولد معه الحكه و الجرب.
و ان كان هذا الماء راكدا مكشوفا كماء البصره، فيغلب على من شربه شهوه الاكل و العطش و احتباس بطنه، و ربما وقع فى الاستسقاء، و ربما وقع فى ذات الريه و زلق الامعاء، و يضمر رجله بسبب الطحال، و يعروه الجنون و البواسير و الدوالى و الاورام الرخوه، و يعسر على النساء الولاده و الحبل، و يلدن اجنه متورمين، و يكثر فيهن الرجاء و هو الحبل الكاذب، و يكثر للصبيان الادره (؟ ) و للكبار الدوالى و قروح الساق و لا يبرا (50 ر) قروحهم، و يكثر فيم الربع.
و من اختار هذا الموضع مسكنا و مواطنا مع ان ارض الله واسعه، فهذا الاخبار يدل على دناه همته و قله تمييزه.
فقول اميرالمومنين مائكم زعاق، (هو) للارداف الذى ذكرته فى اول الكتاب فى فصل اقسام البلاغه.
.
الارداف ان يدل لفظ على معنى يلزمه معنى آخر، كقول القائل للمضياف المطعام: فلان لا يخمد ناره، اى ناره ابدا موقوده بسبب طبخ اطعمه الضيافه.
فلذلك قول اميرالمومنين: مائكم زعاق، ارداف لطيف يدل على سوء اختيارهم.
و قيل: قوله: مائكم زعاق استعاره، لان بعض الناس يقول ذهب مائه، اى زال جاهه.
فالمراد جاهكم كدر ناقص.
و قوله: المقيم بين اظهركم، الى تمام الكلام، يدل على ان الاحتراز من قرناء السوء مفيد، و الاخلاق الرديه ضاره لجلساء اربابها.
و قوله: كانى بمسجدكم، هذه اشاره الى ما اخبره النبى، صلى الله عليه و آله و سلم، من الغيب فى سبب هلاك سكان البصره و خرابها، فصار ذلك صلاحا عند عصيان اهلها.