رمی الجمرات فی بحث جدید

ناصر مکارم الشیرازی

نسخه متنی -صفحه : 12/ 4
نمايش فراداده

عبارات فريق من فقهاء الشيعة في معنى الجمرة

1 ـ يقول السيّد أبو المكارم بن زُهرة في كتاب «الغُنية»

«وإذا رمى حصاة ، فوقعت في محمل ، أو على ظهر بعير ، ثمّ سقطت على الأرض أجزأت . . . كلّ ذلك بدليل الإجماع المشار إليه»8.

2 ـ يقول العلاّمة الحلّي في كتاب «منتهى المطلب»

«إذا رمى بحصاة فوقع على الأرض ، ثمّ مرّت على سَنَنها9 ، أو أصابت شيئاً صُلباً كالمحمل وشبهه ، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه ; لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه»10.

يومئ هذا التعبير إلى أنّ موضع الرمي كان منخفضاً قليلاً ، فإذا ما وقعت قربه حصاة وتدحرجت حتّى سقطت فيه كان مجزياً . وهذا دليل على أنّه لم يكن في هذا الموضع عمود بعنوان «مرمى» .

3 ـ جاء في كتاب فقه الرضا

«فإنْ رَميتَ ووقَعَت في مَحمِل ، وانحدَرَت منه إلى الأرض أجزأ عنك» . وفي ذيله عن بعض النسخ : «وإنْ أصابت إنساناً أو جملاً ، ثمّ وقعت على الأرض أجزأه»11.

وسواء أكان فقه الرضا مجموعة روايات أم كتاباً فقهيّاً لأحد القدماء ، (والواقع أنّ قرائن كثيرة في فقه الرضا تشير إلى أنّ هذا الكتاب كتاب فقهيّ لأحد كبار قدمائنا) فإنّ العبارة السابقة شاهد حيّ على مدّعانا أنّ الجمرات لم تكن أعمدة ، بل كانت ذلك الجزء من الأرض .

4 ـ يقول العلاّمة في «التذكرة»

«ولو رمى بحصاة ، فوقعت على الأرض ، ثمّ مرّت على سنَنَها أو أصابت شيئاً صُلباً كالمحمل وشبهه ، ثمّ وقعت في المرمى بعد ذلك أجزأه ; لأنّ وقوعها في المرمى بفعله ورميه . . . وأمّا لو وقعت الحصاة على ثوب إنسان فنفضها ، فوقعت في المرمى ، فإنّه لا يجزئه»12.

لقد وردت في هذه العبارات تعبيرات مختلفة ، بعضها صريح (مثل : وقعت على الأرض) وبعضها ظاهرة في المدّعى (مثل : وقعت في المرمى) ، وهي تدلّ على أنّ المرمى هو الموضع من الأرض .

5 ـ يقول الشيخ الجليل الطوسي في كتابه القيّم «المبسوط»

«فإنْ وقعت على مكان أعلى من الجمرة وتدحرجت إليها أجزأه»13.

6 ـ يقول يحيى بن سعيد الحلّي في كتاب «الجامع للشرائع»

«واجعل الجِمار على يمينك ، ولا تقف على الجمرة»14.

إذا كانت الجمرة العمود الخاصّ ، فلا معنى للوقوف عليه ; ذلك أنّ أحداً لا يقف على العمود . وهذا يدلّ على أنّ الجمرة هي الموضع من الأرض ، الذي يتجمّع فيه الحصى ، والذي يوقَف خارجه للرمي لا عليه .

7 ـ وصاحب الجواهر ممّن عنُوا بمعنى الجمرة ، فأورد احتمالات عديدة . ويدلّ كلامه في آخر البحث على إجزاء رمي الحصى في موضع الجمرات ، يقول

«ثمّ المراد من الجمرة البناء المخصوص ، أو موضعه إن لم يكن ، كما في كشف اللثام . وسمّي بذلك لرميه بالحجارة الصغار المسمّـاة بالجِمار ، أو من الجمرة بمعنى اجتماع القبيلة لاجتماع الحصاة عندها . . . وفي الدروس : أنّها اسم لموضع الرمي ، وهو البناء أو موضعه ممّا يجتمع من الحصى . وقيل : هي مجتمع الحصى لا السائل منه . وصرّح عليّ بن بابويه بأنّه الأرض ، ولا يخفى عليك ما فيه من الإجمال .

وفي المدارك ـ بعد حكاية ذلك عنه ـ قال : «وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده ; لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة ، ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه ، أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه» . وإليه يرجع ما سمعته من الدروس وكشف اللثام ، إلاّ أنّه لا تقييد في الأوّل بالزوال ، ولعلّه الوجه لاستبعاد توقّف الصدق عليه»15.

من كلام صاحب الجواهر هذا، يمكن استخلاص نقطتين

الاُولى : أنّه نفسه يميل إلى إجزاء كلٍّ من إصابة الأعمدة والأرض . وهذا يتوافق ومقصودنا من كفاية رمي الحصى في النُّقرة المحيطة بالعمود .

الثانية : يُفهم ممّا أورده عن صاحب المدارك أنّه يتمسّك لإصابة الحصى العمودَ بشيئين ، أحدهما : أصل الاشتغال والاحتياط ، والآخر أنّ المعروف من لفظ الجمرة في عصره هو العمود ، ولكنْ كِلا الدليلين غير مُقنع ، ذلك أنّ وجود الأعمدة في عصره ، لا يعني وجودها في عصر المعصومين(عليهم السلام) ، وتقتضي قاعدة الاحتياط هنا إصابة العمود ، ووقوع الحصاة في موضع اجتماع الحصى . وبناءً على هذا لا يجزئ أن يصيب كثير من الحصى العمودَ ثمّ ينزلق خارجاً ، وهذا يولِّد مشكلة كبيرة أُخرى للحجّاج في مراعاة أن يصيب الحجرُ الموضعين ، إضافةً إلى أنّ الرجوع إلى أصل الاحتياط إنّما يكون إذا لم يكن لدينا دليل على وجوب الرمي في مجتمع الحصى ، في حين لدينا على هذا دليل كاف ; ولا دليل لدينا على أنّ المراد من رمي الجمرات هو الأعمدة ، بل إنّ الشواهد تبيّن بوضوح أنّ الأعمدة لم يكن لها في العصور السابقة من وجود ، ولم يكن إلاّ هذا الموضع الذي تجتمع فيه الحصى .

* * *

إنّ هذه الفتاوى التي أوردنا نماذج متعدّدة منها إنّما تنادي بأعلى صوتها قائلة : إنّ الجمرة لم تكن على شكل عمود ، بل كانت هذه النُّقرة هي التي يُرمى فيها الحصى .

ويُلاحظ في كلام مشاهير فقهاء العامّة والخاصّة وفرة تعابير مثل «على الجمرة» و«في الجمرة» و«في المرمى» ممّا يطول نقله . وفي هذه التعابير ما يؤيّد تأييداً جليّاً أنّ الجمرة لم تكن بمعنى العمود ، كما صار في العصور المتأخّرة ، بل إنّها هذه القطعة من الأرض التي يُرمى فيها الحصى ، ذلك أنّ تعبير «في الجمرة» أو «على الجمرة» إنّما يناسب قطعة الأرض هذه ، لا الأعمدة (فلاحِظ) .