رمی الجمرات فی بحث جدید

ناصر مکارم الشیرازی

نسخه متنی -صفحه : 12/ 6
نمايش فراداده

تذكرتان لازمتان

1 ـ يبدو أنّ بناء العمود الحاضر لم يكن له وجود مطلقاً في زمان قدماء الأصحاب ; فإنّ عبارة «المبسوط»16 تدلّ بوضوح على عدم وجوده . وما لدينا من كلام يحيى بن سعيد الحلّي في «الجامع للشرائع» يشهد أيضاً لهذا المعنى بجلاء ، فإنّه يقول : «ولا تقف على الجمرة»17.

ومن المتيقّن أن لو كانت الجمرة عموداً ، لكان الوقوف عليه أمراً مضحكاً ، بل إنّ المراد أن لا تقف على طرف النُّقرة أو على مجتمع الحصى ; ذلك أنّ بعض الفقهاء يَرَون أنّه يمكن الوقوف في طرف منها ورمي الطرف الآخر ، لكنّ بعضهم يَرَون هذا غير جائز .

ويستفاد من كلام صاحب «المدارك» أيضاً أنّه لم يكن يعتقد اعتقاداً قطعيّاً بوجود الأعمدة في الأزمنة السابقة ، فإنّه يقول

«وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده ، لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة ، ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه ، أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه»18

ولعلّه أوّل من أفتى بهذه الفتوى .

وفي كلام بعض فقهاء السنّة أو الزيديّة (أي المتأخّرين منهم) إشارة كذلك إلى وجود العمود في زمانهم . منهم الإمام أحمد المرتضى من فقهاء الزيدية في القرن التاسع ، الذي أشارت عبارة له إلى وجود العمود في زمانه ، لكنّ الطريف أنّه يصرّح بأنّ بعض الفقهاء قالوا : لا يجزئ رمي الأعمدة بالحجر ، ويجب أن يصيب موضع الجمرة (مجتمع الحصى) . وهذه عبارته

«فإنْ قَصَد إصابة البناء فقيل لا يجزي ; لأنّه لم يقصد المرمى . والمرمى هو القرار لا البناء المنصوب»19.

أجَل ، إنّنا كلّما بحثنا في كلام فقهاء الشيعة والسنّة تأكّد وصولنا إلى هذه النتيجة ، وهي أنّ موضع الرمي هو قطعة الأرض ، وإنّما بُني العمود بعدئذ ليكون علامة .

2 ـ من اللاّزم الالتفات إلى هذه النقطة أيضاً ، وهي أنّ طائفة من متأخّري الفقهاء يَعدّون رمي الموضع مجزياً ، منهم الشهيد الأوّل في كتاب الدروس ، حيث يقول

«والجمرة اسم لموضع الرمي ، وهو البناء أو موضعه ممّا يستجمع من الحصى . وقيل : هي مجتمع الحصى لا السائل منه . وصرّح عليّ بن بابويه بأنّه الأرض»20.

ومنهم الفاضل الاصفهاني في كشف اللثام حيث يقول في تفسير «الجمرة»

«هي المِيل المبنيّ ، أو موضعه»21.

ويقول الشهيد الثاني كذلك في شرح اللمعة لدى تعريفه الجمرة

«وهي البناء المخصوص أو موضعه وما حوله ممّا يجتمع من الحصى ، كذا عرّفه المصنّف في الدروس ، وقيل : هي مجمع الحصى . . . وقيل : هي الأرض»22.

وقد قرأنا في الأبحاث السابقة ما ورد في آخر كلام صاحب الجواهر أنّ هذا الفقيه الماهر كان يميل إلى إجزاء إصابة كلٍّ من الاثنين (الموضع والبناء)23.