ذكرت النصوص اللغوية المعروفة المشهورة أربعة معانٍ للجمرة
1 ـ الجمرة في الأصل بمعنى اجتماع القبيلة ، وسمّيت الجمرات بهذا ; لأنّها موضع اجتماع الحصى .
2 ـ الجمرة بمعنى الحصاة ، وقيل للجمرات جمرات ; لأنّها موضع الحصى .
3 ـ الجمرة من «الجِمار» بمعنى «سرعة الابتعاد» ; لأنّ آدم(عليه السلام) لمّا وجد إبليس في هذا الموضع رماه بحجر ، فأسرع الشيطان بالابتعاد .
4 ـ الجمرة بمعنى القطعة الملتهبة من النار (وربّما هي إشارة إلى القطع الصغيرة التي تنقذف أحياناً من بين شعلة النار شبيهة بالحَصيات) .
ونضع الآن أمام القرّاء الأعزّاء طرفاً من كلام اللغويّين
أ ـ نقرأ في «المصباح المنير» للفيّومي المتوفّى سنة 770هـ
«كلّ شيء جمعته فقد جمّرته . ومنه الجمرة ، وهي مجتمع الحصى بمنى ; فكلّ كومة من الحصى جمرة ، والجمع جَمَرات» .
ب ـ يقول الطريحي (المتوفّى سنة 1087هـ) في «مجمع البحرين»
«الجمرات مجتمع الحصى بمنى ; فكلّ كومة من الحصى جمرة ، والجمع جمرات ، وجمرات منى ثلاث» .
ج ـ يقول ابن منظور (المتوفّى سنة 711هـ) في «لسان العرب»
«والجمرة اجتماع القبيلة الواحدة . . . ومن هذا قيل لمواضع الجمار التي تُرمى بمنى : جمرات ; لأنّ كلّ مجمع حصى منها جمرة ، وهي ثلاث جمرات» .
د ـ يقول ابن الأثير (المتوفّى سنة 606هـ) في «النهاية»
«الجمار هي الأحجار الصغار ، ومنه سمّيت جمار الحجّ للحصى التي يُرمى بها . وأمّا موضع الجمار بمنى فسمّي جمرة لأنّها تُرمى بالجمار . وقيل : لأنّها مجمع الحصى التي يُرمى بها» .
هـ ـ يقول الزبيدي (المتوفّى سنة 1205هـ) في «تاج العروس في شرح القاموس»
«وجمار المناسك وجمراتها : الحصيات التي يُرمى بها في مكّة . . . وموضع الجمار بمنى سمّي جمرة لأنّها تُرمى بالجمار ، وقيل : لأنّها مجمع الحصى» .
* * *
يستفاد من مُجمل الكلام السابق ، ومن عبارات طائفة أخرى من اللغويّين أنّ الجمرات إنّما سمّيت الجمرات ; لأنّها موضع اجتماع الحصى ، أو لاجتماع الجِمار فيها . ولم يعتبروا الجمرة بمعنى العمود كما رأينا ، بل بمعنى الأرض التي يجتمع فيها الحصى .
وهذه العبارات والكلمات ـ إضافةً إلى دلالتها على أنّ العمود لم يكن مبنيّاً في عصور كثير منهم ـ تدلّ على أنّ مجتمع الحصى هو الوجه في تسمية الجمرات وفي جذرها اللغويّ .
ومن اللاّزم هنا التذكير أنّ «الجمرات» يقيناً ليست من الألفاظ التي لها حقيقة شرعية أو متشرّعة ، وعلى هذا ينبغي الرجوع في فهم معناها إلى كتب اللغة ، وأنّ إطلاقها على المواضع الثلاثة ، إنّما هو من قبيل إطلاق الكلّي على الفرد ، ثمّ صارت هذه الكلمة بالتدريج علماً لهذه المواضع .