فدک

سید محمدحسن قزوینی

نسخه متنی -صفحه : 22/ 5
نمايش فراداده

و روى أحمد فى مسنده 1/ 320 أن نجدة الحرورى سأل ابن عباس عن سهم ذى القربى، فقال: هولنا، لقربى رسول الله، قسمه رسول الله لهم. و فى صحيح مسلم عن يزيد ين هرمز كتب إليه: إنك سألتنى عن سهم ذى القربى الذين ذكرهم الله، من هم؟ و إنا كنا نرى أن قرابة رسول الله هم نحن فأبى ذلك علينا قومنا [ صحيح مسلم 2/ 105. ] و روى أحمد فى مسنده 1/ 83 أن النبى لم يقسم لبنى عبدشمس و لا لبنى نوفل من الخمس شيئا كما كان يقسم لبنى هاشم و بنى المطلب، و أن أبابكر لم يكن يعطى قربى رسول الله كما كان رسول الله يعطيهم. و قال الزمخشرى فى الكشاف فى تفسير آية الخمس: «و عن ابن عباس أنه- اى الخمس- على ستة اسهم، لله و لرسوله سهمان، و سهم لأقاربه، حتى قبض صلى الله عليه و سلم. فأجرى أبوبكر الخمس على ثلاثة. و كذلك روى عن عمر و من بعده من الخلفاء».

قال أيضا: «و روى أن أبابكر قد منع بنى هاشم من الخمس و جعلهم كغيرهم من يتامى المسلمين و مساكينهم و أبناء السبيل منهم». و روى ابن أبى الحديد عن أبى بكر الجوهرى أن أبابكر منع فاطمة و بنى هاشم سهم ذوى القربى و جعله فى سبيل الله فى السلاح والكراع [ شرح النهج 16/ 231. ]

فتقدمت الزهراء مطالبة بسهم ذوى القربى، و للزهراء فى الخمس حقان: حق من جهه ميراثها لسهم أبيها رسول الله، و حق من جهة سهم ذوى القربى، و أنها شريكة رسول الله فى الخمس، و قد منعها الرجل الحقين معا.

فطالبت أبابكر بسهم ذى القربى و استدلت بآية «واعلموا أنما غنمتم من شى ء فأن لله خمسه و للرسول و لذى القربى...» الخ.

فقال لها الرجل: أنا أقرأ من كتاب الله الذى تقرئين منه، و لم يبلغ علمى منه أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا.

قالت: أفلك هو و لأقربائك؟

قال: لا-

بل أنفق عليكم منه، و أصرف الباقى فى مصالح المسلمين.

قالت: ليس هذا حكم الله تعالى ، قال: هذا حكم الله... الخ [ شرح النهج 16/ 230. ] و بعد هذه المواقف الثلاثة تأكدت الزهراء أن هناك خطه مدبرة ضدها و ضد على عليه السلام و بنى هاشم، فهجرت أبابكر بعد أن غضبت عليه و على صاحبه عمر الذى سانده ضدها، و ماتت و هى واجده عليهما بعد ما أوصت بدفنها ليلا و أن لا يحضر اجنازتها و لا الصلاة عليها.

هذه خلاصة لما جى بين أبى بكر و فاطمة عليهاالسلام من منازعات فى الأيام القلائل التى عاشتها الزهراء بعد أبيها، و لم ينته النزاع بانتهاء حياة الزهراء، بل بقى مستمرا عبر التاريخ الإسلامى، بين ورثة الزهراء فى الحق و ورثه أبى بكر فى الحكم، و بين أنصارهما من جهة أخرى. و للتعريف بصورة مفصلة على ما جرى بين أبى بكر والزهراء حول النحلة و الإرث و سهم ذى القربى علينا أن نقرأ هذا الكتاب الذى ألفه علم من أعلام الشريعة: آية الله الفقيد السيد محمد حسن الموسوى القزوينى. و سماه «هدى الملة إلى أن فدك نحلة» فإنه خير كتاب فى هذا المضمار، والذى يزيد من اعتباره أنه حاكم أبابكر على ضوء القواعد الشرعية و الأخبار المروية فى كتب إخواننا السنة، و قد طبع الكتاب سنة 1352 ه فى المطبعة الحيدرية فى النجف الأشرف، و تفضل علينا مشكورا فضيلة الأستاذ الكبير مرتضى المدرسى الجهار و هى من مكتبته الخاصة فى طهران بنسخه مصححة و مزيدة على يد مؤلفها الفقيد السعيد، و ذلك خدمة الدين و حفاظا على التراث الإسلامى الخالد [ و قد أهدى فضيلته هذه النسخة التى تكرم علينا بها للتحقيق إلى مكتبة الإمام الرضا عليه السلام «بمشهد» و من أراد الوقوف عليها فليراجع مكتبة الإمام الرضا عليه السلام ب«مشهد» المعروفة ب«كتابخانة آستان قدس» «الناشر». ] و طلب منى الأستاذ الجليل السيد مرتضى الرضوى صاحب مكتبة النجاح تحقيق الكتاب لإعادة طبعه مضيفا إلى خدماته الإسلاميه والعلمية فى عالم الثقاقة و النشر خدمة جديدة. و إننى استجابة صديقى الحميم «السيد مرتضى الرضوى» و تقديرا للكتاب و صاحبه، قمت بتحقيق هذا الكتاب الشريف و إخراج رواياته و أخباره. و كل قصدى التقرب إلى الله بإرضاء حبيبته و ابنة حبيبه فاطمة زهرا عليهاالسلام التى يرضى الله لرضاها.

باقر المقدسى

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على سيدنا محمد و آله الطاهرين.

أما بعد: فقد سألنى بعض إخوانى المؤمنين أن أحرر له ما يتعلق بفدك حال حياة رسول الله، و ما جرى عليها من الخلاف والنزاع بعد وفاته صلى الله عليه و سلم حسبما نطقت به السير والتواريخ والصحاح والسنن، فأجبته إلى ذلك، مع ضيق المجال، و كثرة الاشتغال، و عدم ميل الناس إلى العلم بحقيقة الحال.

فنقول: و نحن نمسك القلم عن جميع ما روثه الرواة، و سطره المورخون و أغضينا عما لقيت سيدتنا فاطمة فى سبيل فدك من الذل والهوان، و غير ذلك مما يؤلم القلوب و يجرح العواطف فاكتفينا بالإشارة إلى بعض ما ثبت فى التواريخ المسلمة، والصحاح المعتبرة، ليكون ذلك تبصرة لمن له البصيرة.

الذى يظهر من الكتب المعتبرة أن فدك من القرى التى لم تفتح عنوه [ أى لم تفتح بالقوة والسيف. ] و لم تؤخذ بالحرب، و إنما أخذها رسول الله صلى الله عليه و سلم وحده [ أى صالح أهلها عليها. ]- فهى له من دون أن تدخل فى غنائم المسلمين- و هذا بإجماع الأمة المرحومه- لم يخالف فيه أحد من العلماء.

قال الشيخ الإمام شهاب الدين أبوعبدالله الحموى الروبى فى «معجم البلدان» باب الفاء والدال: «فدك بالتحريك و آخره كاف قرية بالحجاز، بينها و بين المدينة يومان، و قيل ثلاثة، أفاءها الله على رسوله صلى الله عليه و سلم فى سنة سبع صلحا، و ذلك: أن النبى صلى الله عليه و سلم لما نزل خيبر و فتح حصونها، و لم يبق إلا ثلاث و اشتد بهم الحصار، راسلوا رسول الله يسألونه أن ينزلهم على الجلاء [ أى أن يجليهم عن أرضهم دون التعرض لهم فرضى النبى صلى الله عليه و سلم و سلم بذلك. ]- و فعل، و بلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يصالحهم على النصف من ثمارهم و أموالهم، فأجابهم إلى ذلك، فهى مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب فكانت خالصة لرسول الله. و روى ابن أبى الحديد المعتزلى فى شرح «نهج البلاغة» عن أبى بكر الجوهرى عن الزهرى قال: بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا، فسألوا رسول الله أن يحقن دماءهم و يسيرهم ففعل، فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبى صلى الله عليه و سلم خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب [ 16/ 210. ]

قال أبوبكر الجوهرى: و روى محمد بن إسحاق أيضا أن رسول الله لما فرغ من خيبر قذف الله الرعب فى قلوب أهل فدك فبعثوا إلى رسول الله فصالحوه على النصف من فك فقدمت عليه و أرسلهم بخيبر أو بالطريق أو بعد ما قام بالمدينة، فقبل ذلك منهم، و كانت فدك لرسول الله خالصة له، لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. [ و روى ابن سلام فى «كتاب الأموال» ص 9 عن يحيى بن سعيد قال: كان أهل فدك قد أرسلوا إلى رسول الله فبايعوه- أى صالحوه- على أن لهم رقابهم و نصف أراضيهم و نخلهم، و لرسول الله شطر أراضيهم و نخلهم، فلما أجلاهم عمر بعث معهم من أقام لهم حظهم من الأرض والنخل فأداه إليهم. و قال البلاذرى فى «فتوح البلدان»: لما فتح رسول الله خيبر و لم يبق غير ثلاثة حصون، خاف اليهود خوفا شديدا، فصالحوا النبى صلى الله عليه و سلم على الجلاء و حقن الدماء، فقبل النبى صلى الله عليه و سلم منهم. و لما بلغ أهل فدك ذلك أرسل رئيسهم يوشع بن نون اليهودى إلى رسول الله بالصلح، على أن يعطيه فدك و يؤمنه و قومه، و على أن يعمل بها فى نخيلها، بأن يكون لهم نصف الثمن ثم إن شاء رسول الله أبقاهم و إن شاء أجلاهم، فرضى صلى الله عليه و على آله و سلم، و كانت فدك خالصة لرسول الله، لأنها مما أفاء الله بها على رسوله، حيث لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

قال أبوبكر الجوهرى: كان مالك بن أنس يحدث عن عبدالله بن أبى بكر ابن عمر، وابن حزم أنه صلى الله عليه و آله و سلم صالحهم على النصف، فلم يزل الأمر كذلك حتى أخرجهم عمر بن الخطاب و أجلاهم بعد أن عوضهم عن النصف الذى كان لهم عوضاً من إبل و غيرها.

قال الجوهرى: و قال غير مالك، لما أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم الأموال، بعث أباالهيثم بن التيهان، و فروه بن عمرو، و حباب بن صخر، و زيد بن ثابت، فقوموا أرض فدك و نخلها فأخذها عمر و دفع إليهم قيمة النصف الذى لهم، و كان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم، اعطاهم إياها من مال أتاه من العراق، و أجلاهم إلى الشام.

قال أبوعبيد إنما صار أهل خيبر لاحظ لهم فى الأرض والثمر، لان خيبر أخذت عنوة، فكانت المسلمين لا شى ء لليهود فيها، و أما فدك فكانت على ما جاء فيها من الصلح، فلما أخذوا قيمة بقية أرضهم، خلصت كلها لرسول الله، و لهذا تكلم العباس و على فيها. و روى ابن سلام فى «كتاب الأموال» عن مالك بن أنس قال: أجلى عمر يهود خيبر فخرجوا منها ليس لهم من الثمر و الأرض شى ء، فأما يهود فدك فكان لهم نصف الثمر و نصف الأرض، لأن رسول الله كان صالحهم على ذلك، فأقام لهم عمر نصف الثمر و نصف الأرض، لأن رسول الله صالحهم من ذهب و ورق و إبل و أقتاب ثم أعطاهم القيمة.

قال أبوبكر الجوهرى: و قد روى أنه صالحهم عليها كلها «شرح النهج 16/ 210» و إذا صحت هذه الرواية فيكون عمر قد أمر بتقديم ما لأهل فدك من حق فى الثمر و غيره، لا فى الأرض.

قال ياقوت الحموى فى «معجم البلدان: مادة فدك» أصح ما ورد عندى فى ذلك ما ذكره أحمد بن جابر البلاذرى فى كتاب الفتوح له «أى فتوح البلدان ص 36» فإنه قال: بعث رسول الله بعد منصرفه من خيبر إلى أرض فدك محيصة بن مسعود و رئيس فدك يومئذ يوشع بن نون اليهودى يدعوهم إلى الإسلام، فوجدهم مرعوبين خائفين لما بلغهم من أخذ خيبر، فصالحوه على نصف الأرض بتربتها فقيل ذلك منهم، و أمضاه رسول الله و صار خالصا له، لأنه لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب، فكان يصرف ما يأتيه منها فى أبناء السبيل، و لم يزل أهلها بها حتى أجلى عمر اليهود فوجه إليهم من قوم نصف التربه بقيمة عدل، فدفعها إلى اليهود و أجلاهم إلى الشام. و قال ابن منظور فى «لسان العرب» قال الأزهرى: فدك قريه بخيبر- و قيل بناحية الحجاز- فيها عين و نخل أفاءها الله على نبيه. و قال الطبرى: لما فرغ رسول الله من خيبر، قذف الله الرعب فى قلوب أهل فدك حين بلغهم ما أوقع الله بأهل خيبر، فبعثوا إلى رسول الله يصالحونه على النصف من فدك فقبل ذلك منهم فكانت فدك لرسول الله خاصة لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب. و قال ابن الأثير فى «الكامل»: لما انصرف رسول الله من خيبر، بعث إلى أهل فدك يدعوهم إلى الإسلام فصالحوا رسول الله على نصف الأرض فقبل منهم ذلك، و كان نصف فدك خالصا لرسول الله لأنه لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب.]

قولهم: إنه لم يوجف عليها [ الوجيف: ضرب من سير الإبل والخيل. ]، أى أن فدك لم يسرع إليها بالخيل والركاب، و لم تؤخذ بالحرب، و إنما أخذها رسول الله- بالصلح- و لم يشاركه فى أخذها أحد من المسلمين.

حكم فدك معلوم من القرآن

قال الله تعالى: «و ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شى ء قدير».

«ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله و للرسول و لذى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم» [ الحشر: 6، 7. ]

الفى ء مشتق من فاء يفى ء إذا رجع، والمراد به ما أفاء الله على رسوله أى حصل و رجع إليه من غير قتال و لا إيجاف أى إسراع بخيل و لاركاب و ما هذا شأنه فهو للرسول صلى الله عليه و سلم خاصه حال حياته، يصرفه فى حوائجه بإجماع الأمة، و يكون لذى القربى بعد وفاته بصريح الآية، فلهم التصرف فيه دون غيرهم فلا يدخل فى بيت المال، و لا يرجع إلى المسلمين، بل حكمه معلوم من القرآن [ قال الفخر الرازى: إن الصحابة طلبوا من الرسول أن يقسم الفى ء بينهم كما قسم الغنيمة بينهم فذكر الله الفرق بين الأمرين و هو أن الغنيمة ما أتعبتم أنفسكم فى تحصيلها و أوجفتم عليها الخيل والركاب، بخلاف الفى ء، فإنكم ما تحملتم فى تحصيله تعبا، فكان الأمر فيه مفوضا إلى الرسول يضعه حيث يشاء.

قال الزمخشرى فى قوله تعالى: «ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى»، لم يدخل العاطف على هذه الجملة لأنها بيان للأولى فهى منها غير أجنبيه عنها، بين لرسول الله ما يصنع بما أفاء الله عليه، و أمره أن يضعه حيث يضع الخمس من الغنائم. و قال السيد محمد حسين الطباطبائى فى «تفسير الميزان». قوله: ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى، ظاهره أنه بيان لموارد صرف الفى ء المذكور فى الآية السابقة مع تعميم الفى ء لفى ء أهل القرى أعم من بنى النضير و غيرهم.

ثم قال: و قوله «فلله و للرسول» أى منه ما يختص بالله والمراد به صرفه و إنفاقه فى سبيل الله على ما يراه الرسول و منه ما يأخذه الرسول لنفسه. و قوله: «و لذى القربى واليتامى... الخ» المراد بذى القربى قرابة النبى صلى الله عليه و سلم و لا معنى لحمله على قرابة عامة المؤمنين و هو ظاهر. والمراد باليتامى الفقراء منهم كما يشعر به السياق، و إنما أفرد و قدم على المساكين مع شموله له، إعتناء بأمر اليتامى. و قد ورد عن أئمة أهل البيت: أن المراد بذى القربى أهل البيت واليتامى والمساكين وابن السبيل منهم.

قال على بن الحسين: هم قربانا و مساكيننا و أبناء سبيلنا. و روى هذا المعنى عن أميرالمؤمنين أيضا.]

فدك طعمة للنبى خاصة

روى فى معجم البلدان فى قصة فدك عن كتاب الفتوح للبلاذرى: أنه لما جاءت فاطمة إلى أبى بكر تسأله ميراثها من رسول الله فى سهمه بخيبر و فدك قال: يا بنت رسول الله سمعت رسول الله يقول: إانما هى طعمة اطعمنيها الله فى حياتى، فإذا مت فهى بين المسلمين [ فتوح البلدان: ص 38، و فى شرح النهج: 16/ 218 «إنما هى طعمة أطعمناها الله فإذا مت كانت بين المسلمين». ] و يزيف هذه المقالة أن فدك إن كانت أكله و طعمه فقط لم يجز له التصرف بأزيد من ذلك فيما هذا شأنه، والحال أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تصرف فى أموال بنى النضير، التى هى مما لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب فأعطى منها المهاجرين و جعل باقيها وقفا و صدقة، و منها الحوائط السبعة، و لا وقف إلا فى ملك بإجماع الأمة. و روى أبوداود فى سننه فى باب صفايا رسول الله من كتاب «الخراج» عن أبى الطفيل قال: جاءت فاطمة إلى أبى بكر تطلب ميراثها من النبى صلى الله عليه و سلم فقال أبوبكر: سمعت رسول الله يقول: إن الله عز و جل إذا أطعم نبيا طعمة فهى للذى يقوم بعده، و نحوه فى كنزالعمال 3/ 130. و عند ما خطبت خطبتها فى مسجد أبيها رسول الله قال لها أبوبكر: إنى سمعت رسول الله يقول: نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة و لا دارا و لا عقارا، و إنما نورث الكتاب والحكمه والعلم والنبوة، و ما كان لنا من طعمة فلولى الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه، و قد جعلنا ما حاولتيه فى الكراع والسلاح.

قال الشيخ السمهودى فى كتابه تاريخ المدينة المسمى ب«خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى» [ لم أعثر على كتاب «خلاصة الوفا» ولكنى وجدت الخبر المذكور فى وفاء الوفا للسمهودى: 2/ 160 ]: «قال الواقدى إن النبى صلى الله عليه و آله و سلم وقف الحوائط السبعة [ ذكرنا أن الحوائط السبعة كانت لمخيريق اليهودى أحد بنى النضير و قد أفاءها الله على رسوله و لم يوجف عليها بخيل و لاركاب، و قد أوقفها رسول الله على خصوص فاطمة و كان رسول الله قد حصل عليها أيام أحد- أى فى السنة الثالثة للهجرة و قبل أن يحارب بنى النضير، و أما أموال بنى النضير فقد حصل عليها فى السنة الرابعة للهجره بعد ما حاصرهم أياما و قاتلهم، و من ثم صارت أموالهم غنيمة لا فيئا بالمعنى الخاص، و لهذا روى الشيخ الطبرسى عن ابن عباس قال: قال رسول الله يوم بنى النضير للأنصار: إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم و دياركم و تشاركونهم فى هذه الغنيمة، و إن شئتم كانت لكم دياركم و أموالكم و لم يقسم لكم شى ء من الغنيمة، فقال الأنصار: بل نقسم لهم من أموالنا و ديارنا و نؤثرهم بالغنيمة و لا نشاركهم. «فخر الرازى فى تفسيره». و قال الفخر الرازى: روى أنه قسمها بين المهاجرين و لم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، و هم: أبودجانة و سهل بن حنيف والحرث بن الصمة. و أما من رأى أموال بنى النضير فيئا، و أن الآيات نزلت فيهم، فقد ذكر أن المسلمين ما كان لهم يوم بنى النضير كثير خيل و لا ركاب، و لم يقطعوا إليها مسافة كثيرة، و إنما كانوا على ميلين من المدينة فمشوا إليها مشيا و لم يركب إلا رسول الله و كان راكب جمل، فلما كانت المقاتلة قليلة والخيل والركاب غير حاصل، أجراه الله مجرى ما لم يحصل فيه المقاتله أصلا، فحص رسول الله بتلك الأموال.

أما إعطاء النبى أموال بنى النضير إلى المهاجرين و ثلاثة من الأنصار فمن سهم الله المذكور فى الآية «و ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله»- أى فى سبيل الله و من سهم رسول الله. و لمصلحة اقتضت ذلك.]» ثم روى عن الزهرى أنها من أموال بنى النضير إلى أن قال: قلت و يؤيده ما فى سنن أبى داود عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه و آله و سلم فذكر قصة بنى النضير إلى أن قال: فكانت «نخل بنى النضير لرسول الله خاصة أعطاها الله إياه فقال «ما أفاء الله على رسوله منهم» الآية فاعطى أكثرها المهاجرين و بقى منها صدقة رسول الله الذى فى أيدى بنى فاطمة.

شهادة عمر باختصاص فدك برسول الله و يدل على ما استظهرناه من التواريخ المعتبرة زيادة على ما نطقت به الكتب المتقدمة من اختصاص فدك برسول الله و إنها ملكه الشخصى كسائر أملاكه من غير حظ للمسلمين فيها، الذى ذكره ابن حجر فى «الصواعق» ص 23 والشيخ السمهودى فى «تاريخ المدينة» و كذلك ما اشتملت عليه الصحاح والسنن من رواية مالك بن أوس بن الحدثان فى شأن فدك، أن عمر قال:

إنى أحدثكم عن هذا الأمر، إن الله كان قد خص رسوله فى هذا الفى ء بشى ء لم يعطه أحدا غيره، فقال: و ما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شى ء قدير» فكانت هذه خالصة لرسول الله، فما اختارها دونكم [ و فى الصواعق- ثم والله ما اختارها دونكم. ] و لا استأثر بها عليكم، لقد أعطاكموها و ثبتها فيكم [ و فى الصواعق- و قسمها فيكم. ] حتى بقى منها هذا المال [ أى الحوائط السبعة كما سيأتى تحقيقه. ] و كان ينفق منه على أهله سنتهم ثم يأخذ ما بقى فيجعله فيما يجعل مال الله عز و جل، فعل ذلك فى حياته ثم توفى النبى صلى الله عليه و آله و سلم فقال أبوبكر أنا ولى رسول الله فقبضها و قد عمل فيها بما عمل به رسول الله [ وفاء الوفا 2/ 158 و شرح النهج لابن أبى الحديد 16/ 222، قال ابن أبى الحديد دخل على والعباس على عمر و هما يختصمان فى الصوافى التى أفاءها الله على رسوله من أموال بنى النضير و ليس فى الرواية ذكر لفدك. ]

قلت: قوله «فكانت هذه خالصة لرسول الله» نص على أن فدك كانت