إحیاء علوم الدین

أبوحامد محمد بن محمد غزالی الطوسی

جلد 7 -صفحه : 161/ 40
نمايش فراداده

الركن الثالث المحتسب عليه‏

و شرطه أن يكون بصفة يصير الفعل الممنوعمنه في حقه منكرا، و أقل ما يكفي في ذلك أنيكون إنسانا، و لا يشترط كونه مكلفا، إذبينا أن الصبي لو شرب الخمر منع منه واحتسب عليه، و إن كان قبل البلوغ، و لايشترط كونه مميزا، إذ بينا أن المجنون لوكان يزني بمجنونة أو يأتي بهيمة لوجب منعهمنه نعم من الأفعال ما لا يكون منكرا في حقالمجنون، كترك الصلاة و الصوم و غيره ولكنا لسنا نلتفت إلى اختلاف التفاصيل، فإنذلك أيضا مما يختلف فيه المقيم و المسافر والمريض و الصحيح، و غرضنا الإشارة إلىالصفة التي بها يتهيأ توجه أصل الإنكارعليه لا ما بها يتهيأ للتفاصيل.

فإن قلت فاكتف بكونه حيوانا، و لا تشترطكونه إنسانا، فإن البهيمة لو كانت تفسدزرعا لإنسان، لكنا نمنعها منه كما نمنعالمجنون من الزنا و إتيان البهيمة.

فاعلم: أن تسمية ذلك حسبة لا وجه لها، إذالحسبة عبارة عن المنع عن منكر لحق اللهصيانة للممنوع عن مقارفة المنكر، و منعالمجنون عن الزنا و إتيان البهيمة لحقالله، و كذا منع الصبي عن شرب الخمر، والإنسان إذا أتلف زرع غيره منع منه لحقين،أحدها: حق الله تعالى، فإن فعله معصية، والثاني: حق المتلف عليه، فهما علتان تنفصلإحداهما عن الأخرى فلو قطع طرف غيره بإذنهفقد وجدت المعصية و سقط حق المجنى عليهبإذنه، فتثبت الحسبة و المنع بإحدىالعلتين، و البهيمة إذا أتلفت فقد عدمتالمعصية، و لكن يثبت المنع بإحدى العلتين،و لكن فيه دقيقة و هو أنا لسنا نقصد بإخراجالبهيمة منع البهيمة، بل حفظ مال المسلمإذ البهيمة لو أكلت ميتة، أو شربت من إناءفيه خمر، أو ماء مشوب بخمر، لم نمنعها منه،بل يجوز إطعام كلاب الصيد الجيف والميتات، و لكن مال المسلم إذا تعرضللضياع و قدرنا على حفظه بغير تعب، وجب ذلكعلينا حفظا للمال، بل لو وقعت جره لإنسانمن علو، و تحتها قارورة لغيره، فتدفعالجرة لحفظ القارورة، لا لمنع الجرة منالسقوط