إلا لمقاساة ألم في الحياة. و مهما كانمبتلى ببلاء فمحبوبه زوال البلاء. فإن أحبالعدم لم يحبه لأنه عدم، بل لأن فيه زوالالبلاء. فالهلاك و العدم ممقوت، و دوامالوجود محبوب و كما أن دوام الوجود محبوب.فكمال الوجود أيضا محبوب. لأن الناقص فاقدللكمال و النقص عدم بالإضافة إلى القدرالمفقود، و هو هلاك بالنسبة إليه. و الهلاكو العدم ممقوت في الصفات و كمال الوجود،كما أنه ممقوت في أصل الذات. و وجود صفاتالكمال محبوب، كما أن دوام أصل الوجودمحبوب. و هذه غريزة في الطباع بحكم سنةالله تعالى (وَ لَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِالله تَبْدِيلًا) فإذا المحبوب الأولللإنسان ذاته، ثم سلامة أعضائه، ثم ماله،و ولده، و عشيرته، و أصدقاؤه. فالأعضاءمحبوبة، و سلامتها مطلوبة، لأن كمالالوجود و دوام الوجود موقوف عليها. و المالمحبوب، لأنه أيضا آلة في دوام الوجود وكماله، و كذا سائر الأسباب. فالإنسان يحبهذه الأشياء لا لأعيانها، بل لارتباط حظهفي دوام الوجود و كماله بها، حتى أنه ليحبولده و إن كان لا يناله منه حظ، بل يتحملالمشاق لأجله، لأنه يخلفه في الوجود بعدعدمه، فيكون في بقاء نسله نوع بقاء له،فلفرط حبه لبقاء نفسه يحب بقاء من هو قائممقامه و كأنه جزء منه، لما عجز عن الطمع فيبقاء نفسه أبدا. نعم لو خير بين قله و قتلولده، و كان طبعه باقيا على اعتداله، آثربقاء نفسه على بقاء ولده. لأن بقاء ولدهيشبه بقاءه من وجه، و ليس هو بقاءه المحقق.و كذلك حبه لأقاربه و عشيرته يرجع إلى حبهلكمال نفسه، فإنه يرى نفسه كثيرا بهم،قويا بسببهم، متجملا بكمالهم، فإنالعشيرة و المال و الأسباب الخارجةكالجناح المكمل للإنسان، و كمال الوجود ودوامه محبوب بالطبع لا محالة. فإذاالمحبوب الأول عند كل حي ذاته و كمال ذاته،و دوام ذلك كله. و المكروه عنده ضد ذلك.فهذا هو أول الأسباب السبب الثاني.الإحسان، فإن الإنسان عبد الإحسان، و قدجبلت القلوب على حب من أحسن إليها، و بغضمن أساء إليها. و قال رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم[1] «اللهمّ لا تجعل لفاجر عليّيدا فيحبه قلبي» إشارة إلى أن حب القلبللمحسن اضطرار لا يستطاع
[1] حديث اللهم لا تجعل لكافر على يدا فيحبهقلبي: أبو منصور الديلمي في مسند الفردوسمن حديث معاذ ابن جبل بسند ضعيف منقطع و قدتقدم