دنياكم ثلاث الطيب و النّساء و جعل قرّةعينى في الصّلاة» فسمي الطيب محبوبا، ومعلوم أنه لا حظ للعين و السمع فيه، بلللشم فقط. و سمى النساء محبوبات، و لا حظّفيهن إلا للبصر و اللمس، دون الشم، والذوق، و السمع. و سمي الصلاة قرة عين، وجعلها أبلغ المحبوبات، و معلوم أنه ليستحظى بها الحواس الخمس، بل حس سادس مظنتهالقلب، لا يدركه إلا من كان له قلب. و لذاتالحواس الخمس تشارك فيها البهائمالإنسان، فإن كان الحب مقصورا على مدركاتالحواس الخمس، حتى يقال إن الله تعالى لايدرك بالحواس و لا يتمثل في الخيال فلايحب، فإذا قد بطلت خاصية الإنسان و ما تميزبه من الحس السادس الذي يعبر عنه إمابالعقل، أو بالنور، أو بالقلب، أو بما شئتمن العبارات، فلا مشاحة فيه و هيهات.فالبصيرة الباطنة أقوى من البصر الظاهر. والقلب أشد إدراكا من العين و جمال المعانيالمدركة بالعقل أعظم من جمال الصورالظاهرة للأبصار، فتكون لا محالة لذةالقلب بما يدركه من الأمور الشريفةالإلهية التي تجل عن أن تدركها الحواس أتمو أبلغ فيكون ميل الطبع السليم و العقلالصحيح إليه أقوى. و لا معنى للحب إلاالميل إلى ما في إدراكه لذة، كما سيأتيتفصيله، فلا ينكر إذا حب الله تعالى إلا منقعد به القصور في درجة البهائم، فلم يجاوزإدراك الحواس أصلا
الأصل الثالث
أن الإنسان لا يخفى أنه يحب نفسه، و لايخفى أنه قد يحب غيره لأجل نفسه و هل يتصورأن يحب غيره لذاته لا لأجل نفسه هذا مماقد يشكل على الضعفاء حتى يظنون أنه لايتصور أن يحب الإنسان غيره لذاته، ما لميرجع منه حظ إلى المحب سوى إدراك ذاته والحق أن ذلك متصور و موجود، فلنبين أسبابالمحبة، و أقسامها و بيانه أن المحبوبالأول عند كل حي نفسه و ذاته. و معنى حبهلنفسه أن في طبعه ميلا إلى دوام وجوده، ونفرة عن عدمه و هلاكه، لأن المحبوب بالطبعهو الملائم للمحب، و أي شيء أتم ملاءمةمن نفسه و دوام وجوده، و أي شيء أعظممضادة و منافرة له من عدمه و هلاكه! فلذلكيحب الإنسان دوام الوجود، و يكره الموت والقتل، لا لمجرد ما يخافه بعد الموت، و لالمجرد الحذر من سكرات الموت، بل لو اختطف،من غير ألم، و أميت من غير ثواب و لا عقابلم يرض به، و كان كارها لذلك. و لا يحبالموت و العدم المحض