فنقول. إن لترك التداوي أسبابا
السبب الأول: أن يكون المريض منالمكاشفين
و قد كوشف بأنه انتهى أجله، و أن الدواء لاينفعه. و يكون ذلك معلوما عنده تارة برؤياصادقة، و تارة بحدس و ظن، و تارة بكشف محقق.و يشبه أن يكون ترك الصدّيق رضي الله عنهالتداوي من هذا السبب، فإنه كان منالمكاشفين فإنه قال لعائشة رضي الله عنهافي أمر الميراث. إنما هن أختاك، و إنما كانلها أخت واحدة، و لكن كانت امرأته حاملافولدت أنثى، فعلم أنه كان قد كوشف بأنهاحامل بأنثى، فلا يبعد أن يكون قد كوشف أيضابانتهاء أجلة. و إلا فلا يظن به إنكارالتداوي و قد شاهد رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم تداوى و أمر به
السبب الثاني: أن يكون المريض مشغولابحاله، و بخوف عاقبته
و اطلاع الله تعالى عليه، فينسيه ذلك ألمالمرض، فلا يتفرغ قلبه للتداوى شغلابحاله. و عليه يدل كلام أبي ذر إذ قال. إنىعنهما مشغول، و كلام أبي الدرداء إذ قال:إنما أشتكى ذنوبي. فكان تألم قلبه خوفا منذنوبه أكثر من تألم بدنه بالمرض. و يكونهذا كالمصاب بموت عزيز من أعزته أوكالخائف الذي يحمل إلى ملك من الملوكليقتل إذا قيل له ألا تأكل و أنت جائع فيقول أنا مشغول عن ألم الجوع. فلا يكونذلك إنكارا لكون الأكل نافعا من الجوع، ولا طعنا فيمن أكل. و يقرب من هذا اشتغال سهلحيث قيل له: ما القوت فقال هو ذكر الحيّالقيوم. فقيل إنما سألناك عن القوام. فقالالقوام هو العلم. قيل سألناك عن الغذاء.قال الغذاء هو الذكر. قيل سألناك عن طعمةالجسد قال مالك و للجسد ادع من تولاه أولايتولاه آخرا، إذا دخل عليه علة فردّه إلىصانعه. أما رأيت الصنعة إذا عيبت ردوها إلىصانعها حتى يصلحها
السبب الثالث: أن تكون العلة مزمنة
و الدواء الذي يؤمر به بالإضافة إلى علتهموهوم النفع. جار مجرى الكي و الرقية،فيتركه المتوكل. و إليه يشير قول الربيع بنخثيم إذ قال ذكرت عادا و ثمود و فيهمالأطباء، فهلك المداوى و المداوى. أي أنالدواء غير موثوق به و هذا قد يكون كذلك فينفسه، و قد يكون عند المريض كذلك لقلةممارسته للطب، و قلة تجربته له، فلا يغلبعلى ظنه كونه نافعا. و لا شك في أن الطبيبالمجرب أشد اعتقادا